Site icon IMLebanon

قراءة مزدوجة في العقوبات الأميركية على شخصيات لبنانية

 

العقوبات عائق أمام إجتماع الحكومة وعين ميقاتي على السعودية

سناريوهات المرحلة المقبلة.. أحلاها مرّ وأمرّها كارثي

 

عامل إضافي جديد دخل في الحسابات السياسية اللبنانية وهو العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية على النائب جميل السيد ورجلي الأعمال جهاد العرب وداني خوري. وإذا كانت حيثيات هذه العقوبات هي عمليات فساد قام بها المعنيون بحسب وزارة الخزانة الأميركية، إلا ان هذه العقوبات تحمل في طيّاتها قراءات عديدة نذكر منها قرائتين لعلهما الأهم نظرًا إلى السيناريوهات التي قد تنتج عنها.

الحرب على الفساد

 

القراءة الأولى هي قراءة ظاهرة في تصريحات وزارة الخازنة الأميركية وتصريح وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن وتنص على أن الولايات المتحدة الأميركية أخذت علمًا بعجز القضاء اللبناني عن معقابة الفاسدين وبالتالي ستقوم هي بنفسها بمعاقبة الفاسدين من خلال قانون ماغنتسكي دولي الذي يُعتبر من القوانين الوطنية القليلة في العالم ذات الطابع العابر للدول حيث يُعطي الإدارة الأميركية الحق بفرض عقوبات على أشخاص خرقوا حقوق الإنسان (بما فيها الفساد) في بلادهم.

 

العقوبات في توقيتها والأشخاص الذين طالتهم تحمل في طياتها – في ظل فرضية محاربة الفساد – أن الإدارة الأميركية أعلنت الحرب على الفساد في لبنان وهنا تبرز معالم هذه الحرب من خلال إستهدافها رجال أعمال شاركوا – بحسب الإدارة الأميركية – بعمليات فساد تطال المال العام، وهو ما يجعل كل التجار ورجال الأعمال الذين شاركوا في عمليات تهريب سلع وبضائع عبر الحدود عرضة لدفعة ثانية من العقوبات وهو ما قد يرفع العدد إلى 80 شخصًا من بيئة الأعمال التي تعتبرها الإدارة الأميركية بيئة إستفادت من المال العام عن غير وجه حق وقامت بعمليات فساد طالت الإثراء غير المشروع والتهريب. وتعتمد الإدارة الأميركية في مقاربتها هذه على تقارير المنظمات الحقوقية والإقتصادية التي أظهرت أرقامها إرتفاع مريب في أعداد الفقر مع أكثر من مليون عائلة على 1.25 مليون عائلة لبنانية، أصبحوا تحت خطّ الفقر.

 

لذا وفي ظل سيناريو الحرب على الفساد، من المتوقّع أن يكون هناك لوائح عقوبات قادمة وعليها أسماء كثيرة قد تُعدّل جوهريًا بيئة الأعمال في لبنان. وما يدعم هذا السيناريو الإستعداد لدى العديد من هذه البيئة بعقد صفقات مع الإدارة الأميركية خصوصًا أنه وبتقديرات مسؤوليين ماليين، أغلب ثروات هؤلاء موجودة في الخارج وهو ما يُسهّل تجميدها نظرًا إلى مكان وجودها تُطبّق العقوبات الأميركية بحرفيتها.

 

أيضًا وفي ظل هذا السيناريو، وردت عبارة «غطاء من شخصيات رسمية» وهو ما يطرح فرضية أن العقوبات ستطال شخصيات رسمية في الدولة اللبنانية. وهذا الأمر إن حصل سيجّعل من المشهد السياسي مشهد غير إعتيادي مع وجود العديد من الشخصيات الرسمية في مناصب رسمية وموضوعة على لائحة العقوبات وهو ما يطرح علامات إستفهام عن عمل مؤسسات الدولة اللبنانية في ظل هذه المشهدية المُعقّدة.

 

وتعقيبًا على هذه العقوبات، يقول أحد المُحللين الإقتصاديين أن الإدارة الأميركية أصابت الهدف من خلال إستهداف بيئة الأعمال الحاضنة للفساد والفاسدين من المسؤولين وهو ما يجعل المسؤولين محرومين من أدوات العمل التي ترافق الفساد المُستشري، حيث أن الفساد يمرّ بالدرجة الأولى من خلال بيئة الأعمال هذه.

 

ويضيف المُحلّل أن هذا الأمر هو أمر جيّد للشعب اللبناني لأنه الطريق الوحيد لخلاص الشعب اللبناني من الفساد المُستشري خصوصًا في ظل سيطرة مُطلقة للسلطة السياسية على الجسم القضائي.

مواجهة مفتوحة مع حزب الله

 

القراءة الثانية هي قراءة سياسية بحتة وتنصّ على أن الولايات المُتحدة الأميركية قرّرت مُعاقبة كل شخصية لبنانية سواء كانت سياسية أو إقتصادية تعاملت مع حزب الله. وفي قراءة للأسماء الثلاث التي طالتها العقوبات نرى أن طالت جهاد العرب المُقرّب من الرئيس الحريري، وداني خوري المُقرّب من النائب باسيل، والنائب جميل السيد المُستقل المقرّب من حزب الله. وهذا يُمكن ترجمته بأن لا الإنتماء السياسي ولا الديني ولا أي إعتبار أخر يُمكن أن يشفع بالأشخاص الذين يتعاملون مع حزب الله. وبالتالي تكون الإدارة الأميركية قد فتحت حربًا مفتوحة مع حزب الله في عقر داره وهو ما يعني أن الأيام القادمة تحمل المزيد من العقوبات على شخصيات من عالم الأعمال والسياسة تعاملت أو تتعامل مع حزب الله.

 

أيضًا يُمكن النظر وفي ظل هذه القراءة، يُتوقّع أن يكون هذا الإستهداف لثلاثة شخصيات من بيئات مُختلفة يجمعها القرب من حزب الله، هو رسالة إلى كل اللبنانيين الذين تُقدّر الإدارة الأميركية أن لهم علاقات مع حزب الله أن يُعدّلوا من مواقفهم وهو ما يُمكن التثبّت منه في المرحلة القادمة من خلال مواقف السياسيين العلنية في الأزمات التي تعصف بلبنان.

 

وما يدعم هذا السيناريو هو قرار المملكة العربية السعودية سحب سفيرها من لبنان، الطلب من السفير اللبناني ترك المملكة العربية السعودية ووقف الإستيراد من لبنان. وهذا يعني أن هناك قرارًا كبيرًا أتُخذ على مستوى عالٍ يُمكن التأكد منه عبر مواقف الدول الخليجية الأخرى التي لن تتأخر بالصدور.

شلّل الحكومة والواقع المعيشي

 

هذه الأجواء أتت لتزيد من الصعوبات أمام حكومة الرئيس ميقاتي التي يُمكن إعتبارها إبتداءً من اليوم شبه مشلولة مع صعوبة إستمرار الرئيس ميقاتي في منصبه في مواجهة واضحة للمرجعية السنية أي المملكة العربية السعودية. فالمملكة التي لم تنس موقف الرئيس ميقاتي في العام 2011، صرّحت ومنذ اليوم الأول على تشكيل الحكومة أن هذه الأخيرة هي حكومة حزب الله وبالتالي فإن الرئيس ميقاتي لم يعد يملك أي هامش، فاما الإستقالة أو الإنتقال إلى المحور الأخر. ويقول أحد المحلّلين السياسيين لجريدة الديار أن أعمال الرئيس ميقاتي الخاصة موجودة في الخارج وهو بالتالي سيتعرّض دون أدنى شكّ لعملية تضييق إذا إستمرّ في منصبه خصوصًا أن المملكة العربية السعودية تعتبر أن «سيطرة حزب الله على قرار لبنان جعل منه منطلقًا لتنفيذ مشاريع دول لا تحمل خير للبلد»، وهذا يعني أن الممكلة أعلنت الحرب على لبنان الذي يرأس حكومته نجيب ميقاتي. وبالتالي يتوقّع المحلّل السياسي أن الرئيس ميقاتي في وضع لا يُحسد عليه وقد يلجأ إلى مناورة عبر الإستمرار في منصبه إلى حين الإنتخابات النيابية لكي لا يخسر كليًا شعبيته التي ستتضرّر حكمًا من خلال موقف المملكة العربية السعودية.

 

وفي ظل فرضية أن تقوم الإمارات العربية المُتحدة بأخذ نفس الإجراءات فإن لبنان سيدخل مرحلة مُعقدة جدًا لن يكون له مخرجًا منها إلا من خلال مُعطيات خارجية قاهرة بحكم أن الفقر الذي أصاب الشعب اللبناني سيشلّ حركته بالتأكيد وبالتالي لن يكون بمقدوره القيام بعملية تغيير للنظام القائم.

 

وفي ظل هذا الشللّ يتوقع أن تكون المرحلة المُقبلة مرحلة قاسية جدًا على الصعيد المعيشي مع تردّي كبير في سعر صرف الليرة اللبنانية مُقابل الدولار الأميركي وهو ما سيكون له تداعيات سلبية على القدرة الشرائية للمواطن الذي سيُصبح رهينة المساعدات الإنسانية الخارجية. ويأتي قرار المملكة العربية السعودية تجاه لبنان ليحرمه الكثير من الدولارات التي كانت تدخل إلى لبنان نتيجة التصدير إلى المملكة وإرسال الأموال من قبل المغتربين من المملكة العربية السعودية.

الجيش والأمن

 

صرّح أحد المطلعين على الملف الأمني، أن لا مخاوف من حرب أهلية في لبنان، فالجيش اللبناني أظهره حزمه في حادثة الطيونة وهو ما يردع أي فريق عن القيام بأي عمل قد يضع السلم الأهلي في خطر. ويٌضيف المرجع أن إستقبال قائد الجيش في الأشهر الماضية في العواصم العالمية ومعاملته معاملة رؤساء لم يكن بهدف دعمه لرئاسة الجمهورية بقدر ما هو التنسيق للمرحلة المقبلة والتي كان قراءتها واضحة من قبل هذه العواصم مع تأمين دعم كامل للجيش خصوصًا على صعيد التجهيزات التي تجعل من الجيش معادلة صعبة جدًا لكل من تسوغ له نفسه العبث بالأمن. ويضيف أن القرار الأمني هو في يد قيادة الجيش التي وعلى الرغم من كل الهجوم عليها ترى بشكل واضح هدفها – أي الحفاظ على السلم الأهلي والأمن وهو ما يفرض أن القيادة وضعت كل الإحتمالات على الطاولة وهي مُتسعدة للسيناريوهات التي قد تستجد بحسب تطور الأمر.