Site icon IMLebanon

مُمانعون ومعارضون يواجهون العقبات والعقوبات بالمناورات!

 

 

بمعزلٍ عن الحديث المُتجدد عن سلة العقوبات الجديدة التي هددت بها واشنطن وعواصم أخرى، فإنّ القيادات اللبنانية تستعد لمواجهة العقبات والعقوبات بمجموعة من المناورات. فمنذ أن بدأت مُعاينتها لم يظهر انّ هناك مَن يخشاها قياساً على حجم ما شهدته المراحل السابقة من مكائد أبعدت الخروج من المآزق. وها هم يمارسون حياتهم اليومية في منأى عن معاناة مواطنيهم. وعليه، هل يمكن الدفاع عن هذه المعادلة؟ أم انّ ما هو قادم مُغاير لما سبقه؟

لم يخطر في بال الديبلوماسي العتيق الذي كان يتناول ملف العقوبات التي تُهدّد بها واشنطن ومعها عواصم اوروبية مع ما يمكن ان تؤدي اليه، انّ هناك من كان يتمنّاها قبل العام 2019 لينجو بمدخراته المالية ويسقط من حساباته إمكان استخدام النظام المصرفي بعد انهياره. فمَن خضعوا لها تمكّنوا من الاستعداد لتجهيز بيوتهم بالخزنات الحديدية لحفظ ما كان لديهم وما يمكن توفيره في وقتٍ لاحق من مدّخرات تَجَنّباً لما انتهت اليه الاجراءات التي رافقت الانهيار المالي والمصرفي وحجز أموال المودعين بالطريقة التي لم يعرفها اي بلد في العالم مِن قبل.

 

تَنهّد الديبلوماسي العتيق، ورَدّ على اصحاب هذه التمنيات بما لم يكن يتوقعه أحد. وبعد ان تشَدد في الحديث عن الانواع المتوقعة من العقوبات، دعاهم الى التراجع عما عكسته من ردات فعل منطقية، خصوصاً تلك التي دلّت الى أنها لم تحرمهم ما يتمتعون به من امتيازات ولم تُثنيهم عن خوض غمار الانتخابات النيابية ولا الساعين الى أعلى المناصب والمواقع في الدولة ومؤسساتها بمعزلٍ عن تلك الجوانب المخفية التي لا يقدّرها إلّا من خضع لها، أو ممّن لم يتعمق في البحث عنها وتداعياتها العاجلة وتلك البعيدة المدى.

 

وتأسيساً على ما تقدم من المعطيات الظاهِر منها وتلك المخفية، فقد لفت الديبلوماسي الى ان من أخطر ردات الفعل التي رصدها على الساحة اللبنانية عدم الاكتراث لما أدّت إليه هذه العقوبات وما يمكن ان تؤدي، وهو ما عزّز الاقتناع لدى بعض القوى الدولية بضرورة النظر الى التدابير المقبلة بعيون مختلفة عن تلك التي اعتُمِدت من قبل، داعياً الى اعادة قراءة النتائج التي انتهت اليها سلوكيات البعض ممّن خضعوا لها والاتّعاظ من خطورة مواجهتها بالأساليب المعتمدة حتى اليوم. ولمّحَ إلى ان معاناة اللبنانيين الحالية هي جزء من الثمن الذي دفعه اللبنانيون ومعهم المقيمون على الأراضي اللبنانية نتيجة عدم ملاقاة المجتمع الدولي بما كان يجب ان يقوموا به من ردات فِعل أطالت من عمر الازمة في لبنان ومظاهرها المخيفة، وعَمّقت جروحهم الى الدرجة السفلى والمتدنية التي بلغها التصنيف الدولي للحكم في لبنان وعمل مؤسساته المختلفة، خصوصا تلك التي عجزت عن حماية الدولة ومؤسساتها من الانهيار، وعدم القدرة على القيام بأبسط ما هو مطلوب منها من مهمات وتلك التي فقدت من خدمات.

 

وانطلاقاً من هذه القراءة التي أعادت الوصل بين مختلف النظريات الحاسمة والمترددة لتلتقي على مجموعة من المؤشرات التي يجب رَصدها في وقت قريب، خصوصا عندما تنتهي بعض المناورات التي بدأت باكراً وتؤدي الى مسلسل الاحداث التي شهدتها سنوات العهد السابق من انهيارات مختلفة، وما تَلاها إبّان فترة خلو سدة الرئاسة من شاغلها، والتي دخلت مع مطلع حزيران شهرها الثامن، وعلى اكثر من مستوى مالي واجتماعي وانساني وتربوي وصحي واجتماعي. وهو ما يَستدعي من اللبنانيين إعادة نظر شاملة في مقاربتهم لمعاناتهم وما يمكن القيام به لتعديل بعض المشاريع والخطوات المقبلة بما يضمن الخروج المتدرّج من مسلسل المآزق التي يعانونها، وتَجنّب ما تبقى من الترددات المنتظرة اذا بقيت الأمور على ما هي عليه من المراوحة.

 

وقياساً على ما سبق من معطيات، اضطرّ الديبلوماسي الى عَرض نظرته الى الاحداث المتلاحقة على اكثر من مستوى اقتصادي ومالي واجتماعي الى حلقات مسلسل جلسات الانتخاب الـ11، وما شهدته من مهازل لا يقرّ بها لا نظام ولا قانون ولا دستور. وهي لذلك لا يمكن مقاربتها وتوصيفها إلّا من باب القيام بها عن سابِق قصدٍ وتصميم، وفق منطق المناكفات والمكائد والأحقاد الشخصية إلى الدرجة التي أدّت إلى التضحية بثروات اللبنانيين ومدخراتهم، كما أطاحت بقدرات الدولة اللبنانية وأدوار ومهمات مؤسساتها المختلفة إلى أن خرج بعضها عن الخدمة وتلاشَت موارد كثير منها، وبلغت مرحلة خطيرة يجب ان يستعد لها اللبنانيون بما بقي لديهم من قدرات ومدخرات هزيلة وضعيفة لا تُقاس بما هو مطلوب من تضحيات قد يَنوء كُثر تحتها في وقت قريب.

 

وأضاف: «إنّ أكثر ما أقلقَ الديبلوماسيين، السّاعين الى مساعدة اللبنانيين لتجاوز المحَن الحالية، سَعي البعض إلى الاستقواء بالخارج للإمعان في زيادة الخلل القائم على الساحة الداخلية وارتفاع منسوب الخوف على ما تحقق من إنجازات على مستويات مختلفة طوال العقود الثلاثة الماضية، قبل ان ينهار بعض القطاعات واحدة بعد أخرى كأحجار الدومينو. وكل ذلك يجري في وقت اقترب المجتمع الدولي من تكوين الإقتناع بصعوبة معالجة ما بلغته الانهيارات على يد المنظومة الحاكمة وعلى اكثر من مستوى، وهو ما سيكون مَدار بحث في وقت قريب إن على مستوى الاتصالات الثنائية الجارية والمنتظرة بين بعض العواصم المعنية او على مستوى اللقاء المتوقع لممثلي الدول الخمسة، الذين أجمَعوا في لقاء باريس في 6 شباط الماضي على مساعدة اللبنانيين لتجاوز الوضع الراهن والحد من الخسائر، مَخافة بلوغ مرحلة تُفتَقَد فيها المعالجات الممكنة.

 

عند هذه المحطة من المناقشات لم ير الديبلوماسي في كل الحراك لِما يرافق الإستحقاق الرئاسي سوى مظهر من مظاهر المناورات المتبادلة بين القوى السياسية، التي لم تُحاكِ بعد تعهداتها أمام المجتمع الدولي والدول المانحة اعتقاداً منها انّ أمامها مزيداً من الوقت للمناورة والتكاذب بما لا يرقى اليه ـي شك. فبعض ما هو قائم سيؤدي الى مزيد من الشرذمة الداخلية والتصعيد غير المرغوب به، وان المسؤولية تقع على أطراف النزاع كافة بمعزل عن إمكاناتهم الداخلية. ولذلك فإن الاعتراف واجب بعدم قدرة اي طرف على فرض رؤيته النهائية بما يؤدي الى رسم معالم المرحلة المقبلة في اتجاه تحديد نقطة الصفر، او وضع حجر الأساس لمرحلة الإنقاذ والتعافي وما تفرضه من إجراءات صعبة جداً.

 

وعليه، فإنّ ما يخشاه الديبلوماسي مبنيّ على كثير مما لا يريد البعض قراءته او تحسسه لألف سبب وسبب. فمعظم الارتكابات غير المسموح بها يَقع تحت خانة السعي الى تحقيق أحلام شخصية مع اقتناع معظمهم انّ الوقت لم يعد يتّسِع او يسمح لتحقيق احلام البعض بالهيمنة، وأن على جميع الأطراف وقف مسلسل المهازل قبل ان يقول المجتمع الدولي كلمته في العقبات والعقوبات في اي وقت محتمل. فالمرحلة لا تتسِع للرهانات الكبرى والمشاريع الفضفاضة، وانّ التواضع مطلوب من الجميع كما التنازلات المتبادلة من أجل البحث عن نقاط الالتقاء والقواسم المشتركة.