تستطيع قوى “8 آذار” ان تصدر البيانات العنيفة وتندد بالعقوبات الأميركية على رمزين من رموزها شغلا مناصب وزارية وخَدَما من يمثلان حسب قناعاتهما والمطلوب منهما، غير أن رفع الصوت وتجميع المؤيدين وقلب الطاولة ممارسات لن تحل مشكلتها، لا مع واشنطن، ولا مع اللبنانيين في لبنان .
إنه استحقاق جدي. وستظهر الأيام القليلة المقبلة إن كان تحالف “حزب الله” ورئيس الجمهورية وتوابعهما سيكون متماسكاً لمواجهة العقوبات أم انّ التمايزات ستطل برأسها فتجعل “امتصاص الصدمة” أقل ضرراً وأكثر واقعية من سلوك درب العناد المسدود.
مشكلة هذه القوى التي وقع عليها سيف العقوبات في أنها لا تستطيع التحدث عن “مؤامرة” حيكت ضدها في الخفاء ولا عن استهداف مفاجئ استغلَّ تقاطع ظروف. فالادارة الأميركية واضحة في تحديد الأهداف والوسائل وتتابع نهجاً بدأته منذ سنوات في تتبع المتعاملين مع “حزب الله”، وبات في جعبتها قانونان إضافيان جاهزان للاستخدام، ماغنتسكي و”قيصر” المتعلقان على التوالي بمعاقبة المتهمين بالفساد وبمناصرة النظام السوري.
رغم الوضوح والتوقعات حصلت المفاجأة بسبب المستوى السياسي الرفيع للمستهدفَيْن علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، فالأول يد الرئيس بري وكاتم أسراره وتوأم روح ثاني الخليلين. والثاني ضابط ارتباط زعامة فرنجية مع “حزب الله”، أما مسيحيته فتدفع “التيار البرتقالي” الى خشيةٍ وألف حساب خصوصاً أنه ما زال يراهن على “حزب الله” في معادلة القوة الداخلية وفي طموحات “صهر العهد” لوراثة الكرسي الرئاسي.
لا أحد يحسد “الحزب” والرئيس عون على المأزق الذي وجدا نفسيهما فيه. ففي السكوت عن العقوبات لحسٌ للمبرد يدميهما، وفي مواجهتها أثمانٌ قد يستطيع “حزب الله” دفعها لكن شريكه أضعف من تحمل تبعاتها بعد الانهيار الذي أصابه في الشارع المسيحي.
قد نسمع في اليومين المقبلين كثيراً من مفرقعات “التمسك بوزارة المال للثنائي الشيعي”، أو “التنتيع” مع الرئيس المكلف في الحصص والحقائب، لكن الذهاب الى الخيارات القصوى بتعطيل مبادرة الرئيس ماكرون سيكون محفوفاً بمخاطرة شديدة على من يركب أمواجها. فالمبادرة “فرصة أخيرة” بالنسبة الى أكثرية اللبنانيين، وفيها انقاذ للمنظومة الحاكمة أكثر مما فيها انصاف للشعب الذي تحمل وزر ممارساتها ومسؤوليتها عن تفجير 4 آب. وتبدو المبادرة حتى الآن وكأنها تُطبِق على الجميع، والتفلت منها بحجة العقوبات غير مقبول، لا من فرنسا ولا من المجتمع الدولي، ناهيك عن انه مهين لمجمل الشعب اللبناني.
قد يكون أقصر طريق لمواجهة العقوبات ومنع التفافها على رقبة كل لبنان هو في تسهيل مهمة مصطفى أديب والاقلاع عن وضع العصي في الدواليب. فالوقت داهم ولا أحد يملك تَرَف حديث الكرامات والتحديات وتضييع الفرص، مهما كانت ضئيلة، أمام المواطنين الذين حوَّلتهم سياسات السلطة الى شحادين.
… حكومة اختصاصيين مستقلين تنقذ ماء وجه المحشورين لكنّها حتماً في مصلحة لبنان وكل اللبنانيين.