كان عبدالله طحيني، أمس، يوضّب أغراضه للسفر اليوم إلى نيجيريا كما اعتاد منذ ثلاثين عاماً. قطع انهماكه ما سمعه عبر وسائل الإعلام، عن أن وزارة الخزانة الأميركية فرضت عقوبات على مصالحه الاقتصادية في نيجيريا «بعد إدانته بالانتماء إلى شبكة تدعم حزب الله في البلاد متهمة بجمع الأموال والتجنيد والرصد». وبحسب البيان الصادر عن الوزارة، فإن العقوبات شملت، إلى طحيني، المصالح الاقتصادية لرجلي الأعمال الشقيقين مصطفى وفوزي فواز.
يذكر أن السلطات النيجيرية أوقفت الثلاثة في أيار 2013 وحقّق معهم الموساد ثم حُوّلوا الى القضاء، وبرّأتهم المحكمة في آخر تشرين الثاني 2013.
وتبنى البيان التهم التي وجهت الى الثلاثة، لافتاً إلى أن مصطفى فواز «اعترف بانتمائه الى الحزب وجمع التبرعات لحسابه ورصد تحركات الأجانب»، فيما اعترف شقيقه «بحيازة أسلحة ثقيلة والضلوع في أعمال إرهابية بصفته عضواً في جهاز العلاقات الخارجية في الحزب وأوجد البنية التحتية لأعماله الإرهابية ووحداته العملانية في أفريقيا والعالم». أما طحيني فهو بحسب البيان «الممثل الدائم للحزب في نيجيريا ويجمع له الأموال والمعلومات عن أهداف غربية».
وزارة الخزانة في الدولة العظمى في العالم أعطت الكثير من وقتها لمتابعة ملف الجنوبيين الثلاثة وصياغة البيان الذي يفند التهم التي وجهت إليهم. لكنها لم تشر، بقصد أو غير قصد، إلى أن كل ما أتت على ذكره شطب بجرة قلم القاضي في محكمة العدل العليا النيجيرية التي حكمت ببراءتهم من كل التهم بعد توقيف لمدة حوالى ستة أشهر، ولم تعتبر حزب الله «منظمة إرهابية». وإذا كان القاضي النيجيري راضياً، فلماذا لم يرض القاضي الأميركي؟ ولماذا أعيد فتح الملف بعد كل تلك المدة؟ علماً بأن المبرّئين لا يزالون يتنقلون بين لبنان ونيجيريا حيث يوزعون إقامتهم وأعمالهم منذ سنوات طويلة. والمحكمة أسقطت تهمة أن حزب الله «منظمة إرهابية».
القرار الأميركي جاء بعد أقل من شهر على تبرئة القضاء النيجيري للمتهم الرابع بـ»خلية حزب الله» طلال رضا الذي أخلي سبيله مطلع الشهر الجاري وعاد إلى لبنان.
في اتصال مع «الأخبار»، ضحك طحيني هازئاً من معايير العدل العالمية. استغرب كيف أن أميركا «انتهت من خطر داعش وأزمتها المالية ومشاكل الدول ولم يبق في بالها إلا خطر فواز وطحيني على الأمن القومي العالمي!». لا يعرف لماذا صدر القرار الآن بعد عام ونصف عام على تبرئتهم. لكنه يجزم بأن الأصابع الإسرائيلية لعبت بالقرار كما قام الموساد بالتحقيق معهم منذ لحظة توقيفهم. «الموساد يقف وراء قضيتنا في الأساس»، يقول طحيني. لا يرمي باللائمة على نيجيريا في «المكيدة التي صنعت في إسرائيل». هو والشقيقان فواز يقرّون بـ»فضلها» عليهم. بين التهم التي وُجّهت إليهم أنهم بدأوا بإدخال الأسلحة إلى كانو بين عامي 1987 و1988، في حين أن مصطفى فواز كان حينها يدرس في الولايات المتحدة. أما طحيني فقد وطئ أرض نيجيريا أول مرة في عام 1990، فيما فوزي مستثمر كبير لديه علاقات واسعة ومصالح ضخمة.
لن يسمح الثلاثة بتعكير صفو ولائهم لنيجيريا. لكن ماذا عن التداعيات القانونية للقرار الأميركي؟ رجّحت مصادر قانونية واكبت الملف أن الوزارة الأميركية «لم تحدّث معلوماتها بأن القضاء النيجيري أسقط التهم الموجهة إلى من يعنيهم قرارها». والسبب ربما يعود إلى «تصرف متعمّد لدى موظفيها بإخفاء مصير الملف والتصويب على جزئيات منه تفيد في الضغط على الحزب والجنوبيين خدمة لإسرائيل». بالنسبة إلى المسار الذي تتبعه قرارات مماثلة حول تبييض الأموال، أوضحت المصادر أن الوزارة تراسل الدولة اللبنانية من خلال مصرف لبنان للإفادة عن الوضع غير القانوني للثلاثة». حين يتبلغ حاكم مصرف لبنان رسمياً بالقرار، فإنه يحوّله إلى عدد من الهيئات لينتهي أخيراً في النيابة العامة التمييزية حيث يكلف المدعي العام خبراء للتدقيق في أوضاعهم المالية والتدقيق في ما نسب إليهم». بين هذا وذاك، يملك الحاكم حرية التقدير لاتخاذ قرار حول العقوبات الاقتصادية أو عدمها. حتى إصدار القضاء اللبناني رأيه، فإن الثلاثة سيواجهون عراقيل عدة في حال قاموا بتحويل أموال بالدولار، لأن أي تحويل بالعملة الأميركية من أي بلد إلى أي مكان يمر عبر المصرف المركزي في نيويورك.
من يعيد الاعتبار إلى الجنوبيين الأربعة، الذين اضطروا إلى الهجرة بسبب الاحتلال لجويا وعيتيت (قضاء صور) من العدو الإسرائيلي والموساد الذي حقق معهم ومارس ضدهم التعذيب لحوالى أسبوعين؟ لن يطالب طحيني بردّ الاعتبار. «ممن؟» يسأل. فما حصل معهم «نموذج للعهر العالمي».