IMLebanon

العقوبات الاميركية على حزب الله لم تصل الى مبتغاها

 

 

 

لم تتمكّن الولايات المتحدة الأميركية من فرض ما تريده إسرائيل في مسألة ترسيم الحدود البريّة والبحرية مع لبنان، بسبب الرفض اللبناني لمبادرة الموفد الأميركي السفير ديفيد ساترفيلد، فما كان منها إلاّ فرض عقوبات على النائبين محمّد رعد وأمين شرّي، ومسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا، في هذا التوقيت بالذات، في محاولة لترهيب لبنان بتهمة الإرهاب التي تُلصقها بالحزب منذ سنوات. فما الذي أرادته واشنطن من تشديد العقوبات على الحزب وما هي بالتالي تداعياتها على لبنان، وهل ستواصل المفاوضات بشأن ترسيم الحدود وتُرسل موفداً أميركياً جديداً بعد فشل مهمة ديفيد ساترفيلد الأخيرة، ربم يكون خلفه في منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر أو سواه، أم أنّها أغلقت الباب على هذا الملف؟

 

مصادر ديبلوماسية مطّلعة وصفت خطوة واشنطن بأنّها أتت مباشرة بعد فشل مهمّة ساترفيلد بين لبنان والجانب الإسرائيلي و«تهديده» بأنّه سيضع المسؤولية أو اللوم على لبنان كونه لم يُوافق على مقترحاته التي تُمثّل أساساً المطالب الإسرائيلية فيما يتعلّق بموضوعي تحديد الفترة الزمنية للمفاوضات بستة أشهر وفصل التلازم بين المسارين البحري والبرّي. أمّا لماذا انتظرت الإدارة الأميركية منذ فرضها للعقوبات على الحزب في تشرين الثاني الماضي حتى اليوم لتفرض عقوبات جديدة على قيادات فيه، فلأنّها تودّ إرسال الرسائل للداخل والخارج. أولاً، للداخل اللبناني للضغط عليه علّه يغيّر موقفه من مسألة ترسيم الحدود، وثانياً، للقول لإيران بأنّ رفع تخصيب الأورانيوم وتحريك أذرعها في المنطقة لن يوقف العقوبات عليها بل سيُضاعفها. كذلك لا تتوانى واشنطن عن توظيف كلّ شيء في سبيل إحلال مصلحتها في منطقة الشرق الأوسط، ولهذا تركت الإتهام الى هذا الوقت بالذات، بعد أن أبدت حماستها لإنهاء النزاع على الترسيم، وتراجعت بفعل عدم قدرتها على فرض أي شيء على لبنان بهدف الإستيلاء على حقوقه لصالح إسرائيل ومصلحتها الإقتصادية في استكمال عملية الإستخراج والتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة البحرية.

 

وذكرت بأنّها ليست المرّة الأولى التي يتمّ فيها إدراج قيادات سياسية في «حزب الله» على لائحة العقوبات الأميركية، فقد وصل عدد القياديين والأفراد والكيانات المرتبطين بالحزب والذين جرى إدراجهم على اللائحة نحو 50 منذ العام 2017.. ولهذا، فإنّ زيادة هذا العدد أو نقصانه لن يكون له أي تداعيات سلبية على الوضع اللبناني خصوصاً بعد الموقف الرسمي الموحّد الرافض لمثل هذه الإعتداءات على الحزب، وإشادة الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله بهذا التضامن. غير أنّ المنحى الجديد في العقوبات سيما وأنّها طالت ليس فقط قياديين في الحزب، إنّما نائبين ممثّلين له في البرلمان اللبناني، فهو محاولة لـ «إرهاب» لبنان من خلال تأكيد عدم فصلها بين الجناحين السياسي والعسكري للحزب، والقول بالتالي بأنّ الشريحة الشعبية المؤيّدة لهما والتي أوصلتهما الى الندوة البرلمانية لا يُمكنها أن تُشكّل غطاء سياسياً لهما. إلاّ أنّ واشنطن لم تصل الى مبتغاها سيما وأنّ الموقف اللبناني الرسمي من موضوع ترسيم الحدود باقٍ على حاله، مع ساترفيلد أو خلفه أيّاُ يكن، كذلك لم تتمكّن من خلال قرارها الأخير تبديل موقف الشريحة الشعبية التي أوصلت نائبي «حزب الله» الى مجلس النوّاب منهما.

 

أمّا دعوة وزارة الخزانة الأميركية الحكومة اللبنانية الى قطع إتصالاتها بـ «حزب الله»، والتي وردت في القرارات الأميركية الأخيرة، فتجدها المصادر نفسها مستحيلة كون الحزب موجود داخل الحكومة ذاتها، كما في البرلمان، وواشنطن تعلم ذلك تماماً، ولهذا فهي لا تنتظر امتثال الحكومة لدعوتها هذه. من هنا، فإنّ مطالبتها تقف عند حدّ «خصوصية لبنان» كبلد نموذجي في منطقة الشرق الأوسط للتعايش المشترك بين جميع الطوائف والأديان، والإنتماءات والإختلافات، ولهذا من الأفضل لها عدم انتظار نتائج هذا القرار داخلياً، إذ أنّه لن يؤثّر بأي شكل من الأشكال على الوضع الحكومي.

 

وذكرت بأنّ موقف لبنان الرسمي الموحّد الرافض لمثل هذه الإعتداءات على الحزب شكّل حصناً منيعاً للحزب، في الوقت الذي أرادتها واشنطن امتداداً للعقوبات المتزايدة على إيران، ومحاولة للوصول الى أبعد الحدود لعزلها، خصوصاً بعد أن كثّفت إيران في الأسابيع الماضية، من أنشطتها النووية بتخطّي الحدّ المسموح به من تخصيب الأورانيوم، كردّ على تشديد العقوبات الأميركية عليها. كذلك فإنّ الردّ الأخير للأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله على العقوبات الأميركية وعلى إسرائيل خلال مقابلته التلفزيونية الأخيرة، على ما أكّدت، والتي حدّد فيها بنك الأهداف الذي سيكون مستهدفاً في حال اندلعت الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، جاء مرعباً للإسرائيليين ومحبطاً لأحلامهم في المنطقة سيما وأنّهم «يشدّون الظهر» بالإدارة الأميركية لتحقيقها، ولكن عبثاً. وهذا الأمر دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للردّ على كلام السيد نصرالله من خلال تصريح ناري اخير له هدّد فيه بتوجيه ضربة قاضية للبنان و«حزب الله» فيه «إذا أقدم الحزب على أي «حماقة» وهاجم إسرائيل»، على ما قال.

 

وفي رأيها، إنّ واشنطن وتلّ أبيب تيقّنتا بأنّ التهديد والوعيد لا ينفع مع لبنان و«حزب الله» فيه، لهذا فإنّ الإدارة الأميركية لا بدّ وأن تعود الى مسألة التفاوض للوصول الى ما تريده، سيما وأنّها تريد تجنيب حليفتها في المنطقة الدخول في الحرب مجدّداً. فأميركا التي تُهدّد إيران بشنّ حرب عسكرية عليها، وقد ضربت الصاروخ الأول وعادت وتراجعت بفعل الردّ الإيراني المضاد عليها، قرّرت عدم المضي بالحلّ العسكري مع طهران.

 

وفي السياق نفسه، لا تريد الإدارة الأميركية أن يجرّ «حزب الله» إسرائيل الى حرب جديدة، أو أن أن يشنّ حرباً عليها خصوصاً في هذه الفترة بالذات التي تودّ فيها تمرير ما تُسمّيه «صفقة القرن»، وتعمل أيضاً على استخراج النفط والغاز من المنطقة الإقتصادية الخالصة. وهذا الأمران يستلزمان أولاً، هدوءاً واستقراراً في المنطقة، ولهذا تودّ كلّ من واشنطن وتلّ أبيب الحفاظ عليهما قدر المستطاع رغم كلّ العقوبات والقرارات والتهديدات التي تقومان بها