ان العقوبات الاميركية على معاملات “حزب الله” والمتعاونين معه تفرض بموجب تشريع يتجاوز حدود الولايات المتحدة ويطاول المصارف في أي بقعة من العالم، ومن هذه جميع المصارف العاملة في البلدان العربية والقارة الافريقية.
ولا شك في ان هذا التشريع الاميركي يتجاوز المبادئ المتعلقة بسريان قوانين أي بلد على ممارسات في بلدان أخرى، لكن منازعة الحق في اصدار تشريعات كهذه غير متوافرة، خصوصاً ان لدى الاميركيين اداة فعالة لفرض عقوبات على المصارف المخالفة، وهذه الاداة تتمثل في نسبة اعتماد العملة الاميركية لتمويل التجارة العالمية والتحويلات المرتبطة بها. وتبلغ نسبة اعتماد الدولار في هذا النطاق 65 في المئة والاورو 22 في المئة فقط والنسبة الكبرى من الاعتماد على الأورو تتعلق بالمبادلات الحرة بين بلدان السوق الاوروبية. وخلال السنوات الثلاث المنصرمة بذلت الصين ولا تزال جهودًا لتكريس عملتها اليوان في مجالات التبادل التجاري وخصوصاً مع بلدان جنوب شرق آسيا وبعض بلدان الشرق الاوسط، وباتت العملة الصينية تمثل نسبة 9 في المئة من تمويل حجم التجارة العالمية، وهذه النسبة مرشحة للارتفاع لان الصين صارت منذ سنتين أكبر بلد مصدر في العالم وربما ثالث أو رابع أكبر مستورد.
ولدى الأميركيين لديهم مركز لتقويم جميع تحويلات الدولار، وهذه التحويلات هذه تنجز بالاعتماد على نظام Swift، وهذه العمليات لا بد ان تمر عبر جهاز مركزي أميركي موجود في بروكسيل، وكل تحويل موضع اعتراض لديه يمكن تأخيره زمناً يفقد معه قيمته في حال الاشتباه في أي عملية.
والسيطرة الاميركية واضحة ومستمرة، على رغم ان شرعيتها يمكن مناقشتها، انما مع من وماذا تكون النتيجة؟
الوضع في لبنان حرج وخصوصاً بالنسبة الى المصارف. فالتعاميم عن التحقق من اصحاب الاموال والتحويلات تعددت مع تزايد الضغط الدولي لايقاف المساعدات لافرقاء يشكلون بالنسبة الى الأميركيين مخاطر دولية.
ومنذ سنوات والمصارف اللبنانية تدقق في هويات اصحاب الودائع، وفي جميع حالات اليسر البادي، تحاول المصارف معرفة أسس تجمع الثروات والاموال، وهذه الممارسة سمحت بتطبيق مفاعيل قانونFATCA الذي أصدرته الولايات المتحدة وفرضت بموجبه على المصارف التبليغ عن حسابات كل من يحمل جواز سفر أميركياً، وفرضت عقوبات ملحوظة على المصارف التي تأخرت في الافادة عن حسابات كهذه، وقد لحقت بالمصارف السويسرية عقوبات مالية ملحوظة وكانت هنالك عقوبات باهظة على مخالفات لم يكن من الواضح انها تشكل تجاوزات. ولعل أبلغ هذه ما فرضته السلطات الاميركية على ParisBas أحد المصارف الفرنسية الكبرى.
لقد وفر هذا المصرف خدمات فتح اعتمادات لتصدير كميات من النفط الايراني الى الهند، ولم تكن هنالك عقوبات محددة في هذا الاطار، وعلى رغم ذلك فرضت السلطات الاميركية على المصرف الفرنسي عقوبة بلغت 11,5 مليار دولار، ولو تمنع البنك عن تسديد هذا المبلغ، لكانت أعماله مهددة بالاقفال في السوق الاميركية، وقدرته على تسنيد اعتمادات بالدولار لأي بلد غير ممكنة، وتالياً لخضع المصرف لهذه الضريبة.
العقوبات الاميركية على المصارف، سواء منها المصارف الاميركية أو الاوروبية لاسباب متنوعة، منها اخفاء معلومات عن عملاء أميركيين، او تقديم مصارف معينة معلومات مغلوطة عن ضمانات عقارية، أو تعامي أخرى عن عمليات احتيال لأفرقاء يعملون في الحقل المالي مثل مادوف الذي تسبب بخسارات بلغت 62 مليار دولار، كل هذه العقوبات التي طاولت عشرات المصارف منها JP Moragn, Citi Bank, BNP, Barclay’s, Crédtit Suisse, Bank Of America, UBS الخ… بلغت أكثر من مئتي مليار دولار خلال السنوات الاربع المنصرمة.
وما يدعو الى التعجب ان جميع الممارسات التي قامت بها هذه المصارف كانت خاضعة لمراجعة السلطات الاميركية التي أغمضت اعينها عن المخالفات في انتظار تراكمها من أجل فرض عقوبات مالية باهظة وازت الدخل القومي لبلد متوسط الحجم والنجاح.
ولعل الامر الذي يسترعي الانتباه ان وزير خارجية الولايات المتحدة، بحث أخيراً مع المسؤولين عن المصارف الاوروبية والاميركية الكبرى في تشجيع هذه المصارف على التعامل مع المصارف الايرانية، وكل ذلك بعد الاتفاق النووي.
السؤال هو كيف تشجع الولايات المتحدة المصارف على التعامل مع المصارف الايرانية، وفي الوقت ذاته تؤكد الادارة الاميركية ان ايران هي الدولة التي تدعم حزب الله بالموارد، فهل ان المصلحة المباشرة مع ايران تستوجب الاشاحة عن ممارسات الحظر بينما هي تفرض في لبنان على حزب الله الذي كان ولا يزال على علاقة وثيقة بإيران والحكم الايراني؟
السيد حسن نصرالله أكد قبل بضعة أشهر حين كان شبح الاجراءات الاميركية يخيم على التوقعات، ان “حزب الله” لا يعتمد لاسباب لوجستية وأمنية على الحسابات المصرفية، وتالياً من المستغرب ان تكون لدى الحزب اعتراضات أساسية على الاجراءات التي وجب على لبنان التزامها، وهي اجراءات التزمتها المصارف البريطانية والفرنسية والسويسرية والايطالية، كما المصارف العربية جميعًا العاملة في منطقة الخليج وفي فروعها المنتشرة عالمياً.
لا بد من الادراك ان المصارف اللبنانية التي واكبت التطورات الدولية، والتعليمات الصادرة عن بنك التسويات الدولية، ومنظمة التعاون والانماء OECD، واقتراحات صندوق النقد الدولي ومصرف لبنان، باتت مثقلة بالتشريعات التي تفرض قيودًا على الممارسة من هنا وهنالك. والعمل المصرفي تزيد صعوبته في اقتصاد يشكو من تدني معدلات النمو وارتفاع وقع تكاليف استيعاب 1,5 مليون مهاجر. وللمصارف الكبرى فروع في عدد من العواصم المالية الدولية، وهي لا تستطيع تجاوز انتظام المصارف في هذه الدول بالاجراءات المتنوعة التي تتناول ضبط التمويل لبعض المنظمات. والتصدي لالتزامات المصارف اللبنانية سيزيد تأزم الاقتصاد وصدقية لبنان لدى الهيئات الدولية.