أتى اغتيال القيادي في “حزب الله” مصطفى بدر الدين غداة البيان الغاضب لكتلة “الوفاء للمقاومة” أول من أمس، ضد الحكومة والمصرف المركزي والمصارف، على خلفية الانصياع للقرار الاميركي في ما اعتبره “إلغاء للحزب”. وتعكس هذه المصادفة الغريبة حجم الضغط المتصاعد الذي يتعرض له الحزب، باستهداف بدر الدين، ذراعه العسكرية، وكذلك ذراعه المالية المتمثلة بشرايين تمويله عبر النظام المصرفي اللبناني محليا ودوليا. ومعلوم أن بدر الدين كان ورد اسمه أيضا مع قادة الحزب المستهدفين بقانون العقوبات الاخير.
لم تكن المرة الأولى يخرج الحزب عن طوره في المسألة المالية. فقد سبق لأمينه العام قبل نحو 5 أشهر، وتحديدا مطلع السنة الجارية، أن حذّر المصارف والمصرف المركزي من الانصياع للإرادة الاميركية، وذلك عقب صدور قانون العقوبات الاميركي الذي يستهدف الحزب في لبنان وفي كل دول العالم.
لكن اللهجة ما لبثت أن تحولت إلى التهديد مع بيان الكتلة أول من أمس، بعدما تبين للحزب، مع دخول القانون حيز التنفيذ في منتصف نيسان الماضي عقب صدور مراسيمه التطبيقية وصدور التعاميم عن المصرف المركزي المتعلقة بآليات التطبيق، أن لا سبيل أمام المصارف للتفلت من القانون، خصوصا أن الوسيلة الآيلة إلى ذلك عبر الاحتماء بالحسابات بالليرة اللبنانية لم تعد متوافرة، وأن الحظر يشمل كل الحسابات وبكل العملات، بما فيها العملة الوطنية، وأن الحظر لا يطال فقط المنتمين الى الحزب، بل كل من يتصل بهم بقربى أو صداقة أو زمالة أو عمل، بطبيعة الحال.
وعليه، بات الحزب يدرك أن لا مجال للتنصل من تطبيق القانون، وأن الخيارات ضاقت أمامه لتختصر بخيارين لا ثالث لهما: إما الانصياع، وهذا يؤسس بالنسبة اليه، “لحرب إلغاء محلية”، كما جاء في بيان كتلته، وإما منع المصارف من الانصياع، وهذا يرتب مخاطر مالية كبيرة قد لا يكون للبنان القدرة على مواجهتها.
ويُخشى أن يتعامل الحزب مع هذا التحدي الخطير كما تعامل مع مسألة العقوبات الخليجية التي ضرب بها عرض الحائط، من دون الأخذ في الاعتبار محاذيرها على لبنان وعلى اللبنانيين الموجودين في دول الخليج.
لكن مصادر مصرفية استبعدت أن يقلل الحزب من أهمية المخاطر والتداعيات الخطيرة المترتبة على تفلت لبنان من تطبيق القانون، خصوصا أن لبنان ليس الا دولة من دول العالم التي يترتب عليها تطبيق القانون في ما يتعلق بالتعاملات او الحسابات المشكوك في ارتباطها بالحزب. وهذا يعني بالنسبة إليها أن الحزب مدعو الى قراءة أبعد وأشمل لمضمون القانون ومواقع تنفيذه، وألا يضع القطاع المصرفي اللبناني في مواجهة مع الادارة الاميركية، خصوصا أن لا حول له ولا قوة على مثل هذه المواجهة.
وإذ أعربت المصادر عن تفهمها لموقف الحزب الذي شعر بأن المقصلة بلغت رأسه فعلا مع بدء التطبيق، وبعدما تبين للجهاز المالي والمصرفي اللبناني مدى الجدية الاميركية في التنفيذ وأن لا مكان لأي تفهم لهذه المسألة الحساسة بالنسبة الى الولايات المتحدة، أبدت تخوفها من انعكاس هذا التصعيد على مسافة أيام قليلة من زيارة مساعد وزير الخزانة لشؤون تمويل الارهاب دانيال غلايزر للبنان، والمخصصة لمتابعة دقائق تطبيق القانون.
وفي حين دعت المصادر إلى التعامل مع الموضوع بـ”ميزان الذهب”، أشارت أوساط حكومية مطلعة إلى أن رئيس الحكومة سيتولى بالتنسيق مع السلطات المالية والنقدية متابعة الترتيبات المطلوبة لحماية النظام المصرفي اللبناني والتحويلات.
ويأتي هذا الاهتمام عقب المناقشات التي شهدتها الجلسة الحكومية التي أثار خلالها وزيرا الحزب المسألة، بعدما كان الوزير محمد فنيش طرحها في جلسة سابقة وتلقى وعدا من رئيس الحكومة بالمتابعة.
لكن المفارقة أن الوزيرين اللذين طالبا الحكومة بالتروي في هذا الموضوع حتى تأخذ المعالجات مداها، فوجئا كما مجلس الوزراء ببيان كتلة “الوفاء للمقاومة” الذي جاء مناقضا لطلب التهدئة الذي تقدم به الوزيران.
لا تخفي الأوساط قلقها مما يمكن أن يؤدي اليه القرار الاميركي، متسائلة عن الاسباب التي تدفع الادارة الاميركية الى دعم لبنان ومؤسساته العسكرية وحماية استقراره السياسي والامني، فيما تعرض استقراره المالي للمخاطر، مؤكدة أن رئيس الحكومة يرى أن الامر يتطلب معالجة بالكثير من الحكمة والدراية، وإنما أيضا بالكثير من الحزم والوضوح لوضع الامور في نصابها، مشيرة إلى أن على الحكومة أن تأخذ في الاعتبار هواجس الحزب ووجهة نظره حيال ما يتعرض له من استهداف، والعمل من أجل أن يأتي إلتزام لبنان القانون الاميركي كما أي قانون دولي، متلازما مع ما يحفظ سيادة البلاد ونظامها المالي الحر.