IMLebanon

مآخد أميركية على مقاربة لبنان مناطق الإضطراب بـ «قصر نظر» وبتخلي الدولة عن واجباتها

مآخد أميركية على مقاربة لبنان مناطق الإضطراب بـ «قصر نظر» وبتخلي الدولة عن واجباتها

إدماج المكوّن الأمني في استراتيجية سياسية شاملة وحل تنموي مستدام

الإجراءات التي تتخذها الحكومة للتعويض عن نواقص عرسال تجعل الأمور أسوأ

يأخذ أحدث تقرير صادر عن مجموعة الازمات الدولية على «الدولة اللبنانية، التي أضعفتها الخلافات داخل الطوائف وفي ما بينها»، أنها «تخلّت تدريجياً عن دورها الرئيسي في الحكم وفي إدارة الحياة السياسية التمثيلية وهي تعتمد بشكل متزايد على الإجراءات الأمنية للمحافظة على الاستقرار والوضع السياسي الراهن».

ويضرب التقرير عرسال «مثالاً بارزاً على هذا النهج في معالجة الاضطرابات». إذ «يتّسم هذا النهج، الذي تصاعد بعد بداية الحرب السورية في الجوار، بالخطورة وقصر النظر، إذ إنه يعالج الأعراض بينما يعزز في الوقت نفسه ومن غير قصد العوامل الكامنة المسببة لعدم الاستقرار. لو عالجت الحكومة محنة عرسال بطريقة أكثر توازناً تأخذ تلك العوامل في الاعتبار من خلال إدماج المكوّن الأمني في استراتيجية سياسية شاملة، لكان في وسعها تحويل حلقة مفرغة شريرة إلى حال إيجابية، ومنع تردّي الوضع في البلدة وتقديم نموذج لمعالجة تلك المشاكل في البلاد بأسرها».

يضيف التقرير: «تجمع عرسال العديد من المصاعب التي يعانيها لبنان، والمتمثلة في تراجع الوضع الاقتصادي وسوء الإدارة في مناطقه البعيدة، وصياغة خطوط التصدّع الطائفية لمصير جيب سنّي محاط بمحافظة ذات غالبية شيعية (بعلبك – الهرمل) في البقاع، وقيادة سنّية ضعيفة تزداد ضعفاً، وتنامي قوة حزب الله، (…)، بالإضافة إلى تداعيات الصراع السوري. لقد حوّل هذا العامل الأخير عرسال قاعدة خلفية للمقاتلين المعادين للنظام، ونقطة عبور للعبوات المتفجرة. ولهذين السببين، تحولت البلدة إلى تهديد لحزب الله وللأجهزة الأمنية اللبنانية. كما أن ذلك جعل البلدة ملاذاً آمناً أوّلياً للاجئين السوريين، مما يضيف إلى الضغوط الحادة الواقعة على الدولة اللبنانية عموماً وعلى المناطق المحلية في سائر أنحاء لبنان (…)».

ويرى أنه «في مثل هذا المأزق المتصاعد الذي يجمع الاضطرابات الاجتماعية والاستياء الشعبي، فإن المجموعات السورية المتطرفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف بداعش) وجبهة النصرة، هي المستفيدة الأكبر، إذ يمكنها تعبئة الغضب المحلي وتطويعه ليتلاءم مع رؤيتها». ويشير الى ان «حدة العنف في عرسال وما حولها تراجعت نتيجة حصار الجيش لكن هذا العنف لم ينته. قد يكون الرد العسكري اللبناني مفهوماً، إذ إن الاستقرار الهش في البلاد لا يتيح مجالاً للتراخي أو لاتخاذ مخاطر سياسية، خصوصاً في البيئة الإقليمية الحالية التي تتسم بخطورة عالية».

ويلفت الى أن «تعطل أجهزة الدولة يعطي للقوات المسلحة اللبنانية مطلق الصلاحية بحكم الأمر الواقع، لأنها تمثل إحدى المؤسسات النادرة التي لا تزال قادرة على العمل. علاوة على ذلك، فإن تدفق الأعداد الهائلة من اللاجئين، الذي بلغ أكثر من ربع سكان لبنان، فاقم المشاكل التي كانت موجودة من قبل ووضع ضغوطاً كبيرة على الموارد الشحيحة أصلاً، مما يجعل من الصعوبة البالغة حتى بالنسبة إلى حكومة فعالة أن تتمكن من تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية».

ويعتبر ان «الاعتماد الكبير للدولة على الأمن لحل جميع أشكال المعضلات السياسية والاجتماعية لا يشكل حلاً مستداماً. إذا كان لأي شيء أن يفسر بشكل أكثر تحديداً كيف خرج الوضع في عرسال من نطاق السيطرة، فإن ذلك يتمثل في سجل طويل من إهمال السلطة المركزية. وإذا كان ثمة شيء يريده سكانها فعلاً، فهو درجة أكبر من وجود الأجهزة غير الأمنية للدولة، أي خدمات أساسية أفضل، وفرص اقتصادية، وتمثيل سياسي أفضل، وإيجاد حل لأزمة اللاجئين، أو على الأقل تخفيف حدّتها، وتوفير خدمات شرطية فعالة بدلاً من العقاب الجماعي».

ويثير التقرير ما سماها «القضية الأكبر» من مسألة عرسال، «المتمثلة بتخلّي الدولة تدريجياً عن واجباتها. نظراً إلى أن أداء الدولة في الإدارة والسياسة التمثيلية يزداد رداءة بشكل يومي، فإنها باتت تعتمد بشكل متزايد على التدابير الأمنية التي تخلو من أي مكوّن سياسي، أو إنساني أو تنموي جدي. لقد أثبتت هذه المقاربة أنها مغرية بشكل خطير، فهي تحافظ على استقرار ظاهري بينما تتسبب في المزيد من تهالك الدولة في حلقة تعزز وتديم نفسها، إذ إن الإجراءات التي تتخذها الحكومة للتعويض عن نواقصها تجعل الأمور أسوأ. على مدى أعوام، أصبح هذا السلوك نمطاً متكرراً في لبنان. وخارج حدود لبنان، تطوّر المنطق نفسه، كما في العراق، الذي ينبغي أن يكون التفكك التدريجي لدولته درساً تحذيرياً. بدلاً من قمع الأعراض عندما تتنامى ظواهر عدم الاستقرار، على السلطات اللبنانية أن تعالج الأسباب».

ويخلص التقرير الى مجموعة خلاصات، ابرزها:

أ-الحد من الإجراءات الأمنية التي يتخذها الجيش في عرسال وحولها لكن بطريقة تحافظ على فاعايتها الأمنية.

ب-اخضاع مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان للتحقيق الفوري والصارم ومعاقبة الانتهاكات المثبتة.

ج-إجراءات تمكّن المزارعين المحليين من زراعة أراضيهم.

د-تيسير وصول المساعدات الإنسانية الكافية للاجئين السوريين وتخفيف الضغط على عرسال بنقل بعضهم إلى مناطق أخرى في لبنان، وهي فكرة ناقشتها الحكومة لكنها لم تعمل بموجبها.