IMLebanon

الاستراتيجية الأميركية في سوريا، عنوانها العراق

في جنيف، التقى السفير الأميركي المكلّف متابعة الملف السوري، دانييل روبنشتاين، المعارضَين معاذ الخطيب وقدري جميل؛ وكشف الأخير أن واشنطن غير مطلعة على تفاصيل المبادرة الروسية للحوار السوري ــــ السوري، واشتكى، في حديث لفضائية «الميادين»، من أن الأميركيين لا يولون اهتماماً كافياً لقضية تخص حياة ملايين السوريين. المعارض ميشيل كيلو، قرر، في مقال له في «العربي الجديد» (19 كانون الأول 2014)، بأن «أميركا ليست حليفنا»، إنما «استخدمتنا لتصفية حساباتها مع روسيا وإيران». كيلو يدعو، في المقابل، إلى توثيق عرى التحالف مع الدول التي تمنح الأولوية لإسقاط النظام السوري، كفرنسا وتركيا والسعودية.

قبلهما كان الخطيب قد كتب عن خيبة أمله في الأمل الأميركي؛ رجب أردوغان، أيضاً، غاضب على حليفه الدولي الذي لم يعطه البطاقة الخضراء لإقامة منطقة حظر جوي في شمالي سوريا، وإعلان هدف إطاحة الرئيس بشار الأسد، موازياً لهدف القضاء على «داعش». أما قطر، فتعاند بطريقتها، مستمرةً في تمويل الإرهابيين.

جبهة خصوم وأعداء دمشق، مضطربة، قلقة، وتصطدم بالجدار؛ بينما مرّ وقت كاف للقول إن الأميركيين التزموا بتعهدهم عدم الاشتباك مع الجيش السوري. هل تحوّل التحالف، كما قال أحد نقّاد الرئيس باراك أوباما، إلى سلاح جو يعمل لصالح الأسد؟

الخط الوحيد الواضح في الاستراتيجية الأميركية الغامضة إزاء سوريا هو الخط الذاهب… نحو العراق والكرد. أدركت واشنطن أن اسقاط الأسد لم يعد هدفاً واقعياً. في المقابل، هناك أهداف واقعية كبيرة بدأت تتحقق فعلاً، لصالح واشنطن، على مهاد الأزمة السورية والحرب على الإرهاب: (1) العودة إلى العراق، استراتيجياً ــــ سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ــــ بما في ذلك توسيع نطاق سيطرة ونفوذ الحليف الكردي العراقي، وتكرار التجربة الفدرالية «الناجحة» في إقليم سنّي، (2) الإمساك بالملف الكردي السوري، (3) وإقامة صلة وصل بالملف الكردي التركي.

يتطلب تحقيق هذه الأهداف، تسارع الانجازات العسكرية ضد «داعش» في العراق، والمزيد من زمن الحرب في سوريا. هذا ما يفرض ــــ وعلى هامش العملية التفاوضية الرئيسية المتعلقة بالنووي الإيراني ــــ التفاهم الثنائي لترتيب الوضع العراقي، وفي الوقت نفسه، إهمال الملف السوري.وسنلاحظ، هنا، أن واشنطن التي ترفض الاعتراف بدور التحالف السوري ــــ الإيراني في مكافحة الإرهاب على الساحة السورية، تمنّت على الإيرانيين، المشاركة في القتال ضد «داعش» العراق؛ وهم يقومون بذلك فعلاً.

لا ينظر الأميركيون، بجدية، إلى خطة الرياض ــــ عمان القائمة على تدريب وتسليح مقاتلين «معتدلين»، يتضح في الميدان، ويوماً بعد آخر، أنهم عاجزون عن منافسة الجماعات الإرهابية، أو أنهم جاهزون للالتحاق بها، حاملين معهم أسلحتهم الأحدث! ولكن هذه الخطة ستستمر كخطة فرعية، تناوش الحقيقة الساطعة القائلة إن الجيش السوري هو القوة الوحيدة المؤهلة لمواجهة الإرهاب في البلاد، وهي تواجهه بصلابة؛ هذه الحقيقة تفرض نفسها ميدانياً، وستفرض نفسها، في النهاية، سياسياً.

خلاصة اقتراحي حول الاستراتيجية الواقعية للولايات المتحدة في المشرق هي: العراق مقابل سوريا، في إطار تسوية إقليمية، أي في إطار تفاهمات مع دمشق وطهران، خارج الدور الروسي. هذا الفكرة الحمقاء تسيطر على البيت الأبيض، حتى أن الملك عبد الله الثاني ساجل الرئيس أوباما ــــ حسب مصدر أردني رفيع ــــ في أنه من غير الواقعي تجاهل موسكو، «القوة الوحيدة القادرة على طمأنة «الأقليات»، والحفاظ على فاعلية المؤسسة العسكرية السورية».

الهدف الاستراتيجي رقم واحد للولايات المتحدة وحلف الأطلسي، يتمثّل، الآن، في تحطيم الصعود الروسي؛ فالأمة الروسية هي الأقدر بين الأمم التي تمتلك الثقافة والعزيمة والامكانية والقرار لتحدي الهيمنة الغربية، وتكوين تحالفات دولية لتحجيمها؛ هكذا، انتهت المؤسسة الحاكمة الأميركية إلى إقرار أولوية المواجهة مع روسيا: انقلاب وحرب في أوكرانيا، وعقوبات، وتخفيض مصطنع في أسعار النفط، وتحريك إرهابيين في الشيشان، والمضاربة على الروبل. الحرب الأميركية ضد روسيا شرسة وشاملة ومستمرة وتتصاعد، وهدفها عزل وتقويض نظام الرئيس فلاديمير بوتين، بـ «ربيع روسي» يقوم على تحالف الليبراليين والفاشيين. الشعب الروسي ردّ على هذه الأوهام بارتفاع نسبة مؤيدي سياسات بوتين إلى 80 في المئة؛ الرئيس الصلب لن يتنازل أمام الضغوط، وسيواصل المعركة.

تسعى واشنطن، أيضاً، إلى عزل روسيا عن حلفائها، بالتراجع عن استراتيجية اضعاف الصين، والتودد لحلفاء موسكو من هافانا إلى طهران إلى دمشق؛ هل يغري ذلك الأسد؟ كلا، فالزمن يعمل لصالحه، وهو يملك الخيارات؛ بينما لم يعد أمام المعارضة من خيار سوى العطف الروسي؛ يا لسخرية التاريخ!