IMLebanon

استطلاع أميركي لموقف الرابية: إنه الوقت المناسب ليختار اللبنانيون رئيسهم

كل أكوام الزبالة وحسابات إعادة إنعاش الحكومة وهموم الانشغال بصخب الشارع، تراجعت أمام حدث داخلي طغى للمرة الاولى، ليس فقط على يوميات الارهاب في سوريا واليمن والعراق، بل على «نكسة السوخوي» الروسية فوق الاراضي السورية.

بين باريس وبنشعي ارتسم مسار لـ«سوخوي لبناني» لا يزال قيد التجربة والاختبار والتداول، وفي حال نجاح عملية إطلاقه يكون قد استبدل الطائف ثم الدوحة باتفاق عابر للعواصم بدأ في باريس وانتهى بطهران والرياض.

عمليا، تبدو المقارنة فاقعة بين الأجواء التي رافقت تلاقي ميشال عون وسعد الحريري من روما الى بيت الوسط، وتلك التي تفرض نفسها اليوم في ملاقاة تداعيات الاجتماع الباريسي بين الحريري وسليمان فرنجية.

في المحطة الاولى لم ترصد سوى عبارات الصدّ لمرشّح مرفوض سعوديا ومستقبليا وآذاريا، بالرغم من التقارب «الشكلي» الذي أخذه «الشيخ» على عاتقه في محاولة لإحداث خرق في المشهد الداخلي الجامد. ويومها أيضا لم يستدعِ الحريري «جيشه» من بيروت الى الرياض وباريس ليضعهم في أجواء المحادثات مع زعيم أكبر تكتل مسيحي وليبلّغهم بأن أوان التسوية «الجدّية» قد صار قريبا.

في المحطة الثانية يبدو الحراك المستقبلي ـ الآذاري في قمة استنفاره بالتزامن مع تشغيل رادارات عين التينة والضاحية والمختارة، فيما طاولة الحوار حاضرة لتلقّف الطبخة الرئاسية المحتملة مع «مكمّلاتها». لكن المواقف العلنية تعكس القليل مما يقال في الكواليس.

يقول أحد المتابعين لتداعيات اللقاء الباريسي «إن المسألة لم تعد تكمن في التأكّد من مدى جدّية الطرح المروّج لسليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، بل في وضع خريطة طريق لامرين أساسيين: حصر أضرار هذا الخيار في مقلب ميشال عون وسمير جعجع وجزء من الشارع الحريري المصدوم بهذا التحوّل في مسار الاحداث. وثانيا ترتيب كل بنود السلّة، من رئاسة الجمهورية الى رئاسة الحكومة وتوازناتها وقانون الانتخاب».

في المقابل، ترتسم العديد من الملاحظات على ضفاف التطوّرات الرئاسية المستجدّة:

ـ «حزب الله» لم يقل كلمته العلنية بعد، وإن هو يقولها كل يوم بالممارسة وليس بالخطابات. لا فرق بين ميشال عون وسليمان فرنجية إلا من زاوية الالتزام العلني بترشيح الاول. بموازاة هذه المعادلة الثابتة، يدلّل كثيرون الى خطاب السيد حسن نصرالله الذي تلا تفجير الضاحية والذي شدّد من خلاله على التسوية السياسية الشاملة تحت سقف الطائف «التي تخرج البلاد من أجواء الشلل والتعطيل»، داعياً للاستفادة من الجو الايجابي والتعاطف الوطني الكبير بعد الانفجار. في هذه المحطة تحديدا لم يلجأ الى اي من استعارات المرحلة السابقة القريبة. صوّب اتهاماته بشكل صريح صوب «داعش»، لكنه لم يجدّد اتهامه للسعودية بـ«إدارة» تنظيم «الدولة الاسلامية»، ولم يذكّر بمآثر «آل سعود في قتلنا»، ولم يكرّر لازمة تمويل الرياض للحروب وإدارة الجماعات التكفيرية، ولم يؤكّد على الخطر الوجودي الوهابي الذي يحاول التمدّد حتى تشيلي. باعتقاد كثيرين، التحييد اللفظي لم يأتِ سوى في إطار افساح المجال أمام النقاش «على الهادئ» بتزكية خيار التسوية الشاملة.

ـ يُشْبِهُ نَفْيُ الرئيس نبيه بري علمَهُ المسبق بلقاء باريس نَفْيَ فرنجية والحريري له. في الكواليس ثمّة من يجزم بأن عين التينة هي قلب وعين وراعي هذا اللقاء بالتكافل والتضامن مع وليد جنبلاط والارتياح لموقف «الكتائب» المؤيّد. لا يأتي ذلك من ضمن أجندة المناكفة مع «التيار الوطني الحر»، بل من زاوية محاولة ترجمة التسوية المطلوبة باختراق قد يُسقط ورقة من يد ميشال عون لكن ليس من يد فريق «8 آذار». «عدّة شغل» التسوية لن تشمل بأي لحظة استحضار مناخات الدوحة يوم اعترف «حزب الله» بسحب ملعقة الرئاسة من فمّ عون. الحزب، في هذا الاطار، حريص على الاستماع والنقاش مع «الجنرال» وليس الضغط عليه.

ـ بدا لافتا سياسة ضبط النفس من جانب الرابية التي تَلت ردّة الفعل الانفعالية الاولية بعد ساعات من انكشاف اللقاء. حتى اليوم يتصرّف العونيون على أساس ان الغطاء السعودي الذي حُجِبَ عن عون ليس هناك ما يستدعي التصديق بأنه سَيُمْنَحُ لـ «ظل بشار الأسد في لبنان»!

ـ مجرّد الحديث عن تزكية خيار سليمان فرنجية وبروز مؤشرات جدّية لتسويقه داخليا، يفرض الحديث عن احتمالَين أساسيين: انضمام المرشّحين التوافقيين للرئاسة الى جوقة «الندب» الشغاّلة في صفوف الثنائي المسيحي عون وجعجع وبعض مسوؤلي «تيار المستقبل» ومسيحيي «14 آذار»، أو التقاط الأنفاس، لكون ما يجري ليس سوى محاولة لحرق فرنجية بعد عون بما يستتبع ذلك من العودة التلقائية الى خانة مرشّحي الوسط.

ـ 2 كانون الاول المقبل هو موعد الجلسة الثانية والثلاثين لانتخاب رئيس الجمهورية. وسط حمى السيناريوهات المتداولة، ثمّة من يروّج لجلسة حاسمة يتوقف عبرها عدّاد الفراغ في قصر بعبدا. عمليا، لا شيء يمنع توجّه النواب لانتخاب فرنجية إذا حلّت نعمة التوافق على الرؤوس، وكل شيء يمكن أن يمنع جلسة الانتخاب، وعلى رأس هذه الموانع معارضة ميشال عون وسمير جعجع معا.

ـ «الجنرال» مقتنع أن فرنجية مقتنع بأن لا ترشيح رسميا للثاني من دون موافقة عون، وهو مقتنع ايضا أن الجدّية التي تحدّث عنها فرنجية في طرح الحريري قد لا تكون كافية لانضاج هذا الترشيح. وما يصل بالتواتر الى الرابية لا يزيح عن هذه الثوابت. بالامس التقى رئيس «التكتل» القائم بالاعمال الاميركي السفير ريشارد جونز. الزيارة كانت للتعارف والاستطلاع. وفيما أبدى الضيف اهتماما بمعرفة رأي ميشال عون في قانون الانتخاب وتقسيماته ودوائره، فإنه كان صريحا بإبلاغ عون لدى مبادرة الاخير بسؤال ضيفه في بداية اللقاء «إذا كنا سنتحدث في الرئاسة» فأجاب «إذا كان الاتكال على ما نسمعه ونقرأه في الجرائد، فليس هناك ما هو جدّي للحديث عنه»، مؤكدا ان «الاميركيين يؤيّدون القرار الذاتي للبنانيين في اختيار رئيسهم من دون تدخل، وهذا هو الوقت الملائم».

ـ المشهد الباريسي يعكس مقاربة يصفها البعض بالواقعية والتي يستند اليها اليوم أساسا رئيس «تيار المستقبل»: فرنجية هو حليف سوريا فعلا وحليف بشار، لكن أي سوريا واي بشار؟. لا سوريا هي نفسها ما قبل الحرب، ولا بشار هو نفسه. معادلة يدركها جيدا الطرفان، وهي الثغرة التي قد تقود الى تسويق فرنجية كمرشح توافقي وليس كمرشح طرف أو محور.