حسابات العولمة تتحكّم بحرب سوريا، وان كانت عناوين التسوية السياسية في البيانات والقرارات محلية. وليس أمراً قليل الدلالات ان يحتاج وقف الأعمال العدائية الى عملية معقّدة روسية – أميركية على ثلاثة خطوط. أولها اتفاق يكرّسه الرئيسان فلاديمير بوتين وباراك أوباما بعدما أنجز تفاصيله خبراء روس وأميركيون وتولى وزيرا الخارجية سيرغي لافروف وجون كيري تذليل العقبات. وثانيها تقاسم المهام لضمان التطبيق، بحيث تتعهد موسكو المونة على دمشق وطهران وحلفائهما، وتتعهد واشنطن المونة على المعارضين المدعومين منها وعلى أنقرة والرياض والدوحة الداعمة لهم. وثالثها تسويق الاتفاق عبر اتصال أوباما هاتفياً بالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، واتصال بوتين بالملك سلمان بن عبدالعزيز.
لكن الاتفاق على وقف الأعمال العدائية مملوء بالثقوب مثل الجبنة السويسرية، فلا هو يرتقي الى وقف النار. ولا هو هدنة شاملة بل جزئية وموقتة. لا من السهل التمييز على الخارطة بين المواقع التي يستمر ضربها والتابعة لداعش والنصرة ومنظمات ارهابية أخرى وبين المواقع التي يجب التوقف عن ضربها. ولا من الصعب توظيف الغموض وتشابك المواقع في تصعيد القصف كما في قيام داعش والنصرة بعمليات هجومية.
ومنطق الأشياء يقضي بأن تعمل روسيا وأميركا لنوع من الفرض والحماية. فرض تطبيق الاتفاق. وحماية الطريق الى التسوية السياسية المطلوبة. لكن ذلك ليس مضموناً، وسط التحذير سلفاً من صعوبة التطبيق. فالأولوية عند بوتين هي للحفاظ على ما ربحه بالعملية العسكرية، سواء على المستوى الجيوسياسي في سوريا والمنطقة أو على المستوى الاستراتيجي في الشراكة مع أميركا. والأولوية عند أوباما هي للامتناع عن التورط عسكرياً ومنع حلفائه من التورط المباشر وتقديم أسلحة نوعية للمعارضين، مع استمرار الحديث عن عملية سياسية.
والانطباع السائد هو الشك في صدقية الكلام الكبير لجون كيري أمام الكونغرس. فالمعادلة التي يضعها، وسط الأخذ والرد حول مستقبل الرئيس بشار الأسد، هي: لا يمكن وقف الحرب مع بقاء الأسد، ولا ضمان لوحدة سوريا اذا استمرت الحرب. وما يهدد به، إن لم يؤكد له الامتحان خلال شهر أن عملية الانتقال السياسي جدية، هو خيارات قيد الدرس لخطة بديلة. لكن ما يراهن عليه لتجنب الوصول الى الخطة البديلة هو ذكاء بوتين العارف أن بقاء قواته طويلاً في سوريا من دون تسوية سياسية سيدفع الذين دعموا المعارضين الى ارسال المزيد من الأسلحة لمواصلة القتال.
وبوتين يلعب في سوريا ويتلاعب بأميركا واوروبا.