يلتفت اللبنانيون بنظرهم صوب أميركا، دولة عظمى تهتزّ تحت وطأة الغضب والتظاهر والفوضى تجاه عنصرية الشرطة التي قتل فيها الرّجل الأبيض مواطناً أسود، عندنا أيضاً الجيش وقوى الأمن والحرس الجمهوري يضربون المواطن إن تظاهر ورفع الصرخة في وجه قاتليه كلّ يوم،”لا أستطيع التنفّس” الجملة التي هزّت العالم،اللبنانيّون يشعرونها طوال الوقت بل إنّهم حتى لا يستطيعون التقاط أنفاسهم ويقولون لأنفسهم فلتنتهِ هذه المحنة وبعدها سيجيء وقت الحساب، بالأمس سجّل الدولار سعر 4200 ليرة، من أين يأتي اللبناني بما يحفظ توازنهم الذي يهتزّ تحت وطأة هذه الضربات الإقتصادية كانوا قبلاً يقولون سنحاسبهم بعد الخروج من هذه الأزمة اليوم لا طاقة بهم لمحاسبة أحد،هذا الصمت الذي يعمّ الواقع اللبناني المميت أبلغ من كلّ الحرائق الأميركية الغاضبة!
يدوخ لبنان ومواطنيه وسط دوّامة الوباء والانهيار الاقتصادي الذي زاد الوضع تأزيماً على تأزيم دولتهم وفرقاؤها مشغولين في ممارسة رذيلة المحاصصة التي لا ترحم البلد حتى في زمن الوباء وانكفاء الجميع خوفاً من العدوى ولكنّنا دولة عينها “جقمة” إلى أبعد الحدود!! والشِّكاية اليوميّة وإن كانت أمراً معتاداً ومألوفاً لدينا كشعب لبناني، فمعظمنا، مصابٌ بهذه المتلازمة،وعلى هامش “الرَّدْن والنقّ” اليومي هل سألنا أنفسنا عن حجم تواطئنا مع هذه الدّولة على أنفسنا؟ نحن أكثر من نصف العصابة، فقد تضاعفت أسعار المواد الغذائيّة أضعافاً من دون أن يكترث التجار أو يرحموا حال المواطن اللبناني الذي قد يكون توقّف راتبه، أو بات يقبض نصف راتب، ويقف أمام احتياجات أطفاله وبيته عاجزاً، ومدركاً أنّ نصف العصابة هذه لن تجد من يحاسبها فهذا موسم الاستفادة، من المؤسف أنّه في الوقت الذي نحتاج فيه إلى التكافل والتضامن والتعاون نجد هناك من يسارع إلى سلخ اللبناني حتى العظم، من دون أن يقول هذا الأخير آخ!
العالم يتغيّر، وهو كلّه يخرج من شرنقة الحجر إلى الحياة مترقباً متخوفاً من الموجة الثانية، يخرج اللبنانيّون إلى مجهول ينتظرهم، ما ينتظرنا هنا غير ما ينتظر كل شعوب العالم، والمجهول الذي ينتظرنا سيفترسنا، من المؤسف أنّ لبنان عالق في دوّامة من الصعب خروجه منها مهما حاول، لن ينجح في هذا حتى تلفظه هي خارجها، وعلينا الإعتراف بأنّ البلد عالقٌ في نفق مسدود لا منفذ له وأنّ الحصار والخناق يضيق على اللبنانيين، الذين استكانوا لقرار صامت بوأد الثورة، ربّما علينا أن نقارن بين الغضب اللبناني والغضب الأميركي، حتى نخجل قليلاً من صمتنا الكارثيّ!
يشهد اللبنانيّون كلّ يوم بازارات مسعورة لا تجد من يوقفها، آخرها “عنترة” ضرورة بناء معمل سلعاتا للمسيحيين وفي منطقة مسيحيّة،من المؤسف أن واقعنا يفضح حقيقة أن لا حكومة في البلد مجرّد خيالات صحرا ، ألسنا نعيش حالة هُزال شديد على المستوى الحكومي لم يشهد لبنان مثيلاً له في ظروف مأساوية تضرب البلاد، وكل ما يحدث حولنا يؤكد أنّنا نحن أيضاً شعب بلا إحساس!!
في مواجهة الغضب الأميركي الذي نتابعه عبر الشاشات والحرائق التي يشعلونها والمواجهات التي تدور على عتبة الأبيض علينا كلبنانيين أن نأخذ الكثير من العبر والدروس، خصوصاً عندما يضطر رئيس أكبر دولة في العالم أن ينزل إلى قبو قصر حكمه خوفاً من غضب شعبه، في وقت نستمرّ فيه في التلذّذ بدور الشّعب الذي لا يغضب!!