Site icon IMLebanon

تسليف أميركا نحفظه في “القجة”

 

 

لن يحصد لبنان في القريب العاجل ما يتمنّاه بعض المسؤولين والقادة السياسيين اللبنانيين كمقابلٍ لتجاوبهم مع الطلب الأميركي الانضمام إلى الدول التي أدانت الاجتياح الروسي لأوكرانيا. فبعض هؤلاء، وكذلك بعض المسؤولين في دول أخرى، يسأل بماذا ستبادل واشنطن بلاده جرّاء وقوفها مع الغرب في الصراع الدائر بينها وبين روسيا في أوروبا، ولا سيما في حرب أوكرانيا.

 

في القضايا الكبرى والانقسامات الدولية التي تحصل حول النفوذ في العالم لا يبدو أن المنطق الأميركي يعمل وفق هذه القاعدة، على رغم أنه يعتمدها في شؤون أخرى أقل أهمية وذات طابع تكتيكي أو تجاري، أو إذا كانت تتناول تبادلاً لرهائن أو سجناء، الذي غالباً ما يتم وفق الأسلوب البراغماتي أو المقايضة.

 

من يعرف أسلوب الأميركيين يعتبر أنه يجب عدم توقع أي حركة إيجابية أو ثمن لتصويت لبنان مع قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بإدانة روسيا. وإذا كان على الدول أن تنتظر شيئاً لمصلحتها من الدولة العظمى، فإن مسألة كتلك التي واجهت لبنان في الأيام الأخيرة بعد انفجار الأزمة بين روسيا والولايات المتحدة، تتعاطى معها الأخيرة على أنها قضية مبدئية لا تحتمل الرمادية، لأنها تؤسس واقعياً لمرحلة جديدة من الحرب الباردة مهما كانت النتيجة العسكرية للحرب في أوكرانيا، والتي من المرجح أن تنتهي بسيطرة موسكو على أوكرانيا متجاوزة الضغوط كلّها التي يقوم بها حلف الناتو لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. إذ إن فلاديمير بوتين لن يتراجع عن مطالبه من كييف. فإعلان حياد أوكرانيا بعد تجريد جيشها من السلاح ونزع أسلحة القوات الرديفة التي تتّهمها بـ»النازية الجديدة» والتي تقاتل الأوكرانيين من أصل روسي في المناطق المتاخمة لروسيا، وتغيير الحكام الحاليين، والمجيء بنظام يعترف بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم…هي خطوات سيسعى إلى تحقيقها تباعاً مهما طال الزمن. والقصف العنيف الذي يقوم به الجيش الروسي للبنية التحتية للجيش الأوكراني يحقّق بالتدرّج نزع السلاح. وهو أمر يبدو أنه سيتصاعد كلّما تم إفراغ المدن من المدنيين.

 

لكن كل ذلك لا ينفي أن حقبة جديدة ستبدأ على الصعيد العالمي، بقيادة الغطرسة الأميركية والروسية معاً، وبفائض الاعتداد بالنفس المتبادل، لن تُعرف معالمها قريباً، سوى أنها تجديد للحرب الباردة التي سقطت في تسعينيات القرن الماضي.

 

في هذه المواجهة الكبرى لا يقدم الأميركيون مقابلاً للوقوف مع توجّهاتهم. هم يعتقدون، أنهم يدفعون أثماناً ضخمة بدورهم، لأنهم يجازفون باقتصادهم وبتعريض حلفائهم لأضرار العقوبات الاقتصادية الضخمة المفروضة على روسيا، والتي ستنعكس عليهم سلباً بعد روسيا. فعزل موسكو على الصعيد الدولي ستكون له ارتدادات سلبية ضخمة تؤثر في اقتصادات الدول الأوروبية وأميركا، بدءاً بارتفاع سعر الغاز والنفط والكثير من المواد الغذائية الاستراتيجية، فضلاً عن احتمال انقطاع التزوّد بمواد أولية أساسية للصناعات كافة تمتلكها روسيا، مثل الألومنيوم والنيكل والحديد…

 

وإذا كان بعض الفريق الحاكم في لبنان اعتبر أن المقابل يمكن أن يكون رفع العقوبات عن رئيس «التيار الوطني الحر»، أو تسهيلاً لحصول لبنان على بعض المساعدات المالية من صندوق النقد الدولي، أو التساهل في مطالب المجتمع الدولي حيال لبنان لجهة اشتراط الإصلاحات قبل المساعدات المالية، فإن هناك من قدّم النصيحة بأن المراهنة على أثمان كهذه سابقة لأوانها وصعبة المنال. وفي كل الأحوال لا مجال لأي جميل أو تسليف من قبل باسيل حيال الأميركيين في الموقف الذي اتّخذته السلطة بإدانة روسيا، لأن القرار في هذا الشأن حصل من دونه، حتى لو صحّ أن الرئيس ميشال عون تشاور معه في نص البيان الذي صدر. أما رفع العقوبات عنه فيبدو، حسبما تردد، أنه أخذ بنصيحة الديبلوماسيين الأميركيين، بأن يسعى لأجله عن طريق التقدم بدعوى قضائية في واشنطن، مع وعد من مسؤولين في قطر بالمساعدة في ذلك.

 

المبدأ الذي تصرّف على أساسه كبار المسؤولين في التجاوب مع الطلب الأميركي إدانة اجتياح أوكرانيا، هو عدم توقّع الحصول على ثمن، لأن طلب صدور موقف كهذا شمل الدول كلّها من دون استثناء. فتسليف الأميركيين المواقف يتمّ على قاعدة أن تُسقطها في «قجة» يتم تجميع الرصيد في داخلها تباعاً، إلى أن يأتي التوقيت المناسب من أجل صرفها لاحقاً.

 

ويبدو أن حرب أوكرانيا ستكون لها ارتدادات كثيرة ستظهر مع الوقت، وصولاً إلى الشرق الأوسط، المرشح لأن يكون مجدداً مسرحاً للحرب الباردة التي تفرض على أميركا خوضها فيه أيضاً، لا في أوروبا وحدها. وقد يكون على لبنان أن يختار تسليفها مواقف جديدة وأن يسقطها في «القجة» بانتظار الظرف المناسب.