Site icon IMLebanon

سحب التعيينات بين دلالات «الصفّارة الأميركية» وخلاصات «الامتحان» وارتداداته!

 

القطاع المالي والجيش تحت المراقبة اللصيقة لواشنطن حتى في زمن  «كورونا».. ولا بدّ من إعادة الحسابات

 

يحتاج قرار رئيس الحكومة حسّان دياب سحب ملف التعيينات المالية, ولا سيما لنواب حاكم المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف، من جلسة مجلس الوزراء أمس إلى قراءة متأنية حول الأسباب والنتائج. لا داعي للتلهي بالمبررات التي قدَّمها بأن «التعيينات، بالطريقة التي تحصل، لا تشبهنا جميعاً كحكومة تكنوقراط»، و«ما حصل يخالف قناعاتي ومنطلقاتي وتوجهاتي». فالرجل يعيش على هامش القرارات التي تُطبخ في مكان آخر أو أمكنة أخرى، فضلاً عن أنها كانت تضمن حصة له.

 

يُخيّل للمرء أنه مسكون بما يجري في «بيت الوسط»، يُوجِّه السهام إلى سلفه سعد الحريري متهماً إياه بالمزايدة والعرقلة لما يقوم به من «إنجازات»، لكنه يتناسى أن المشكلة حيث الداء. رفع الحريري البطاقة الحمراء ضد التعيينات بعدما قرأ فيها سعياً دؤوباً لاستكمال مفاعيل الإقصاء السياسي الناجم عن فشل التسوية الرئاسية. استعان بـ «نادي رؤساء الحكومة السابقين» الذين انضم إليهم أخيراً لتوجيه رسالة اعتراض قوية على «تعيينات يُشتمّ منها الرغبة في السيطرة على المواقع الإدارية والمالية والنقدية للدولة اللبنانية بغرض الإطباق على الإدارة الحكومية».

 

صحيح أن بيان «رؤساء الحكومة الأربعة» غُلّف بغلاف الحرص على ضرورة القيام بخطوات إصلاحية وإنقاذية تسهم في تصويب بوصلة لبنان وفي إعادة تموضعه على الطريق الصحيح، إلاّ أنه لا يمكن إخراجه من بعد المحاصصة ذاته الذي يعترض عليه الرؤساء أنفسهم. وما سُجّل من اتصالات في الكواليس أدارها بشكل أساسي منها أحد ركنيّ «الثنائي الشيعي» نبيه بري، كانت تدور حول ضبط إيقاع التوزيع من دون «كسر الجرّة» مع الحريري حول الحصة السنيّة ومع وليد جنبلاط حول الحصة الدرزية، ولو كان خارج جنّة الحكم، وضمان حصة أكبر لسليمان فرنجية الحليف المسيحي ضمن الحكومة. وكانت الأجواء تشي بأن عملية تدوير زوايا المحاصصة قد تنجح جزئياً أو كلياً، فيتم إقرار التعيينات، إلى أن دخل عامل آخر في اللحظة الأخيرة.

 

هذا العامل تمثّل ببطاقة حمراء أميركية. تؤكد مصادر مطلعة أن تدخلاً حصل من قِبل السفيرة الأميركية في لبنان لوقف مسار التعيينات لسبب آخر لا يتعلق باعتراض الحريري أو غيره من القوى السياسية، انطلاقاً من حساباتهم الداخلية وحماية مصالحهم، بل لأن بعضاً من الأسماء المطروحة، والتي كانت ستُعيّن، تخالف المعايير التي تضعها واشنطن في ما خص القطاع المالي والمصرفي، إذ أنها تتضمّن أشخاصاً تحوم حولهم شبهات بأعمال ونشاطات اقتصادية ومالية لمصلحة «حزب الله» وإيران بما يُشكّل خرقاً للعقوبات التي تضعها الخزانة الأميركية. وكانت الرسالة واضحة بأن السير بهذه التعيينات سيُرتّب تداعيات سلبية على حكومة لبنان ومؤسساته.

 

أزمات لبنان الصحيّة والمالية والسياسية تُنذر بفوضى حتمية في ظل عجز داخلي ومقاطعة خارجية

 

في رأي متابعين، أن تلك الخطوة إن دلّت على شيء، فهي تدل على أن القطاعين الأساسيين في لبنان، وهما القطاع المالي والمؤسسة العسكرية، لا يزالان موضع اهتمام بالغ من قِبل واشنطن، وقيد المراقبة والمتابعة اللصيقة، بخلاف ما ظنّ القيمون على الحكومة بأن الولايات المتحدة منشغلة ومنهمكة في أزمة تفشي فيروس «كورونا» وبترتيبات متعلقة بقرب انتخابات «البيت الأبيض»، ويمكن تالياً تهريب تعيينات في مواقع حساسة يمكن من خلالها الإمساك والتأثير على رؤية لبنان المالية والاقتصادية ونموذجه ونظامه، واتخاذ قرارات لا تتماهى مع المزاج الأميركي.

 

هل سيدفع جرس الانذار الأميركي بـ «ثنائي حزب الله – عون» إلى التروّي؟ ربما. لكن الأكيد أن «حزب الله» سيعمل على دراسة خلاصات امتحان التعيينات المالية، ودلالاتها وارتداداتها. وسينسحب ذلك على الملف أو العنوان الثاني المرصود أميركياً، وهو الجيش اللبناني، وطبيعة العلاقة القائمة بين «الحزب» والمؤسسة العسكرية وحدودها الراهنة والمستقبلية. هذا الأمر يصبح ضرورياً وأساسياً في ظل التوقعات لما ينتظر البلاد في الفترة المقبلة من تحديات قد تكون ناجمة عن تطوّر تفشي وباء كورونا على مساحة لبنان، وما سيحمله من انعكاسات على الوضعين الصحي والمعيشي للبنانيين، وعلى الاقتصاد المنهار أصلاً وعدم القدرة الداخلية على احتواء التداعيات وغياب المساعدات الخارجية بفعل عوامل عدة، منها ما يرتبط بشكل أساسي برفض أصحاب القرار طلب مساعدة صندوق النقد الدولي الذي يُشكّل خشبة الخلاص الوحيدة.

 

ما يراه المراقبون من مشهد سوداوي ينطلق من واقع العزلة التامة التي يعيشها لبنان عربياً ودولياً. وهي عزلة تتلازم مع ثلاث أزمات يعيشها: الأزمة الصحية الطارئة بفعل «فيروس كورونا» والأزمة المالية – الاقتصادية التي تضع البلاد على درب الإفلاس، والأزمة السياسية المتمثلة في عمقها بوضع «حزب الله» – مدعوماً من رئاسة الجمهورية – يده على البلاد، وما يُحدثه من اختلال كبير في الخروج عن المرتكزات التي تحمي لبنان داخلياً واقليمياً ودولياً.

 

ففي ظل الاختلال، يجهد أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصر الله لتقديم نفسه وحزبه راعياً للتحوّلات في لبنان، موهماً شرائح كبيرة من الشعب اللبناني بأنه الضمانة ليس فقط عسكرياً، بل سياسياً ومالياً واقتصادياً وصحياً، حامياً لمصالحهم من كل الشرور الآتية، واعداً بالنصر – كما دائماً – لكن النتيجة المرتقبة لن تكون سوى تعميم الفوضى الداخلية التي ستصيب كل نواحي الحياة، وستضرب مفاصل الدولة ومؤسساتها المدنية، وحينها لن يكون هناك من سبيل سوى اللجوء إلى المؤسسة الأكثر تماسكاً والأكثر صدقية وقبولاً لدى غالبية اللبنانيين وهي الجيش الذي سيكون عليه التعامل مع الأزمات المتشعبة، ومع قوى الأمر الواقع، بحيث سيكون التحدي المطروح: الإمرة لِمَن؟! وعلى أساسه يمكن عندها قراءة ما بعده من مسارات.