IMLebanon

الحَراك بين ترامب وبايدن: وجهان لعملة واحدة

 

كما بالنسبة الى جميع اللاعبين في البلد، يترقب الحراك الشعبي مآل الانتخابات الأميركية التي لم تفصح عن نتائجها النهائية حتى اللحظة. ويبدو من المؤسف ان التمحور الداخلي السياسي والاستقطابات الحزبية يؤثر على آراء شرائح في الحراك من دون أن يعني ذلك انتظار نتائج مختلفة جذريا في حال عودة «الديمقراطيين» الى الرئاسة.

 

يشير البعض في الحراك الى ان ذلك هو أحد اسباب تعثر وربما فشل التوصل الى النتائج المرجوة من الانتفاضة حتى بعد ثلاثة أشهر من كارثة المرفأ. فمن قدم من اليمين اللبناني ينظر الى الرئيس الجمهوري الحالي دونالد ترامب بوصفه المنقذ للبنان وللمسيحيين خصوصا، ومن جاء من اليسار أو من محور «المقاومة» يريد وصول المرشح «الديمقراطي» جو بادين.

 

وهذا المسار برأي مؤسسين في الحراك يمثل المنحى العام الذي دأبت عليه البلاد منذ التأسيس وحتى ما قبله، مع أن الانتفاضة الشعبية جاءت لكي تنقلب على هذه المفاهيم. إنهما موجتان تتنازعان الحراك مع احتفاظ مجموعات وشخصيات في الحراك تتغنى باستقلاليتها بموقف لامبالي من الحدث الاميركي.

 

ولا شك ان هذا الحدث سيفرض نفسه على لبنان كما على المنطقة والعالم، وهو ما يدفع البعض في الحراك الى الرهان على مد يد مساعدة الخارج، سواء كان أميركيا أو غيره من الغرب، الى الانتفاضة الشعبية في البلد.

 

مؤدى وجهة النظر هذه أن المساعدة تختلف عن الهيمنة على القرار. كما أن جميع السياسيين في لبنان يتلقون، ليس فقط المساعدة في الموقف، بل الدعم المالي من دول متخاصمة على لبنان، سواء كانت في الغرب كالولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وأوروبا في شكل عام، أو في الشرق كما من إيران والسعودية والخليج وحتى روسيا..

 

لكن هناك من لا يزال في المقابل يرفض أي دعم من هذا النوع كونه سيؤدي عاجلا أم آجلا الى الارتهان الى الداعم الخارجي. وهذا الدعم يشمل ما يعرف بـ»المنظمات غير الحكومية» التي يسكت الذين يتلقون المساعدات منهم عن «ثورتهم» مع توقف الدعم. كما أن منظمات كثيرة تمولت لتنفيذ مشاريع من دول خارجية لكن عبر السلطة اللبنانية ودعمت مشاريع خاصة بالحريات عبر وزارات معينة.

 

لذلك فلا يمكن تلقي الدعم من جهات خارجية حتى ولو نادت بشعارات حقوق انسان وحريات يملك منها لبنان الكثير في قوانينه، كون تلك الجهات تريد تنفيذ مصالحها. وهذا البعض في الحراك رفض التواصل حتى مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لبنان الذي يريد تنفيذ مصالح بلاده في البحر الابيض المتوسط والتصدي للطموحات التركية، كما مع المسؤول الاميركي دايفيد شينكر الذي قال للبنانيين «إنكم غير جاهزين» ما يعني اشتراطه قواعد معينة قبل تقديم الدعم..

 

التخطيط الأميركي طويل الأمد

 

يُسقط هذا الاختلاف في المفاهيم نفسه على مفهوم مقاربة الانتخابات الاميركية. لكن أوساطا واسعة حتى في ظل المراهنين على بايدن أو ترامب، ترى أن لا فرق بينهما كون الادارات الاميركية ليست شخصية الطابع ومطلقة، كما أنها ترسم سياستها لسنوات مقبلة ولعقود وليس الأمر مشابها للأنظمة العربية.

 

لذا لا ينفع التعلق بالرئيس المقبل كون الولايات المتحدة دولة مؤسساتية وثابتة وهي التي رسمت «توازن الرعب الطائفي» في المنطقة ولا تريد حسم الامور لصالح طائفة معينة وهذا دأب «الديمقراطيين» و»الجمهوريين» على حد سواء، فهي لا تريد للسنة الانفراد في مصير المنطقة كما أنها لا تريد للشيعة هلالهم وحتى تهدف الى حماية أقليات طائفية وعرقية في المنطقة مثل الكرد على سبيل المثال، وهي سياسة لم تحد عنها واشنطن منذ التفجير الكبير في 11 أيلول 2001.

 

ويقر كثيرون أن ترامب وبايدن هما وجهان لعملة واحدة، لكن موضوع الانتفاضة يجب أن لا يتعلق بهوية الرئيس الاميركي المقبل، مع طرح الاسئلة الذاتية حول سبب الانتكاسة للمجموعات المختلفة.

 

تأقلم اللبناني وحريته!

 

وفي السابق، كان الحراكيون الفعليون لا يبلغون اكثر من مئات وتمكنوا من تحريك عشرات الآلاف ووصل الامر الى تظاهرات جد ضخمة في طول البلاد وعرضها في «مليونية» مميزة. لكن الانتفاضة تعثرت مع الوقت في ظل تخبطها ودخول السلطة لشرذمة الحراك ومعها الأحزاب التقليدية في الحكم مثل «الكتائب» و»القوات اللبنانية» واستفزاز الجانب الآخر مع قطع للطرقات رفضه الناس. وفي موازاة ذلك، دخل أيضا ما يسميه الحراكيون «طابورا خامسا» لجأ الى عمليات شغب وتكسير لم يكن على قياس كل من نزل سلميا الى التظاهرات وحتى من ساعد في نقل المتظاهرين من الشمال في ظل تساؤلات حول عمليات النقل للمحتجين من دون علم المنظمين. كما أن أنصار الأحزاب الأخرى في السلطة مثل حركة «أمل» و»حزب الله» تدخلوا على اثر ذلك للانقضاض على المنتفضين.

 

هذه الاعمال أدت الى التعثر الكبير مع هبوب الوباء «الكوروني» وتأقلم اللبناني الغريب مع الكوارث. اذ لم يخطر على بال أكثر المتشائمين أن يصل صبر اللبناني الى التأقلم مع سعر صرف الدولار على الليرة اللبنانية، أو مع الوباء ولجوئه في شكل طبيعي الى خرق إجراءات الدولة وممارسة حياته الطبيعية.. وصولا الى كارثة انفجار المرفأ! كما لا يمكن نسيان عامل خشية اللبناني عامة من الحروب بعد تجربته السيئة خاصة في ظل وجود السلاح في البلد، حسب بعض الحراكيين.

 

كل هذه الامور منعت المجموعات من إنزال الناس من جديد، خاصة وان حرية اللبناني دفعت به الى التعبير أكثر من اللزوم على وسائل التواصل الاجتماعي، ليعتبر انه قد وصل الى مبتغاه.

 

لكن المجموعات والشخصيات التي اجتمعت طويلا في الساحات ترى انه هدوء ما قبل العاصفة التي ستهب من جديد مع حدث دراماتيكي قد يطرأ على البلاد. وهناك في المقابل من يؤكد أن الانتفاضة مستمرة وأن زخم التحركات الموضوعية ادى الى نتائج ايجابية.

 

وفي هذه الاثناء، لا تزال الانقسامات سارية بين المجموعات. وتعمل بعض الشخصيات على التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، ومنه شخصيات سبق أن ترشحت في الانتخابات الماضية في بيروت وجبل لبنان والشمال وحتى الجنوب..

 

لكن الحراكيين يحذرون من ان تؤدي هذه الانقسامات الى لوائح كثيرة تُسقط أمل الخرق في الانتخابات. كما ان الحراك لن يكون قادرا على الخرق في القانون الانتخابي الحالي الطائفي في ظل كثرة اللوائح المنتظرة وعدم تنظيم «الثوار» ومحاربتهم لبعضهم البعض.