لقد دعم ثلاثة أرباع الاسرائيليين الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سباقه نحو ولاية رئاسية ثانية، لكن السؤال الذي بقي مطروحا، لمَ غرد أغلبية اليهود الأميركيين خارج السرب وصبت أصواتهم بمجملها لصالح المرشح الديمقراطي جو بايدن ؟
يفاخر ترامب بأنه قدم لاسرائيل ما لم يقدمه أي رئيس أميركي آخر لها من قبل، ابتداءً من اعترافه بالقدس الشريف المحتل كعاصمة أبدية لها ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وقطع المساعدات المالية عن الفلسطينيين مروراً باغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن واعتبار عملية الاستيطان الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية عملية شرعية، انتهاءً برعايته لولادة خطة صفقة القرن التي سمحت لاسرائيل بضم 30 % من الضفة الغربية والقدس الشرقية مع عدم التناسي بأن ترامب يعتبر نفسه عراب وبطل عمليات التطبيع بين اسرائيل وعدد من الدول العربية.
وهذه التقديمات الثمينة منه إلى اسرائيل والتي رأى فيها خدمة العمر لها كان ينتظر من سلوكه تجاه اليهود الاميركيين ردة فعل ايجابية مفعمة بأدبيات جبران الخواطر، لكنه وقع في حيرة شديدة بعد صدور النتائج، جعلته يتساءل عن أسباب احجام اليهود الاميركيين عن انتخابه وتجيير أصواتهم لصالح غريمه بايدن.
وبالمناسبة نشرت صحيفة الجيروساليم بوست الاسرائيلية بتاريخ 19 تشرين الأول 2020 نتائج استطلاع كانت قد قامت بها اللجنة اليهودية الاميركية والتي أفادت فيها بأن 75 % من اليهود الاميركيين سيصوتون للمرشح الديمقراطي جو بايدن.
أما صحيفة هآرتس الاسرائيلية فقد سبق أن قالت في تموز الماضي بان عدد اليهود الأميركيين يبلغ 6.9 مليون شخصاً وهو ما يشكل عملياً عدد سكان اسرائيل برمتها وهم بالتالي سيكونون كتلة ناجحة مرجحة لا يستهان بقوتها بتاتاً. انما وعن أسباب تصويت 75 % من اليهود الاميركيين لترامب، قال خيمي شاليف المحلل السياسي المقيم في الولايات المتحدة الاميركية في ندوة نظمتها صحيفة هآرتس بتاريخ 28 تشرين الاول الفائت بأن توجهات اليهود الأميركيين باتت معاكسة تماما لتوجهات اليهود الاسرائيليين لعدة أسباب أهمها، أن الخطوات الأميركية الأخيرة تجاه اسرائيل بما فيها رفع الحظر عن التعامل العلمي الاميركي مع المستوطنات الاسرائيلية في الضفة والجولان لا تساند ترامب انتخابياً.
اما رئيس دائرة الاعلام في جامعة بيرزيت نشأت الأقطش وفي حديثه لموقع الخليج أون لاين يقول أن عدم تصويت اليهود الاميركيين لترامب مرده إلى وجود انقسام داخل التنظيم السري الذي يحكم اسرائيل، وهنالك وجود اكثر من رأي داخل هذا التنظيم بما في ذلك أن اسرائيل لم تعد بحاجة إلى مزيد من الأعداء بسبب ما قدمه ترامب لها خلال الفترة الماضية مقابل ارضاء اليهود فيها، كما ان أصحاب هذا الرأي يعتبرون أن ترامب يعاني مشكلة الثقة الزائدة في النفس وهذا أمر مقلق بحد ذاته، لذا اكتفوا بفضل أصواتهم أو طريقة تصويتهم بعدم تمكينه من التجديد لولاية ثانية كي يتلافوا عواقب حماسته الشديدة.
ومن هنا تبقى منظمة أيباك اليهودية المنظمة القابضة على القرار السياسي الاميركي خصوصاً على صعيد السياسة الخارجية.
لذا واهم من يعتقد من قسم قليل من اللبنانيين أو من الكثيرين منهم على حد سواء، أنه ببلوغ بايدن عرش البيت الأبيض فإنه سيجعل سياسة أميركا الخارجية حيال لبنان وبعض دول المنطقة العربية تتبدل، لأن سياسة تلك المنظمة اختصرت عملها منذ نشأتها بعبارة اسرائيل وأميركا أولاً و أخيراً.
ويذكر ان بايدن وفي خطاب له أمام مجلس الشيوخ الاميركي في العام 1986 قال أعتقد ان الوقت قد حان لايقاف من يطالبوننا من الاعتذار عن دعم أميركا لاسرائيل بالقول لهم، لا لن يكون هناك أي اعتذار، وفرضاً أن اسرائيل لن تتواجد أساساً على وجه المستديرة و الكلام لبايدن كان الامر سيحتم على أميركا ابتكار اسرائيل بالقوة.
وفي 5 تشرين الثاني 2020 قالت رئيسة فرع الحزب الديمقراطي في اسرائيل هدار ستون أن جو بايدن صديق حقيقي لاسرائيل وهو صهيوني منذ نشأته في منزل ذويه و أشارت ستون أن بايدن كان من أكثر المرحبين للاتفاقيات الموقعة بين اسرائيل وبعض الدول العربية وبالتالي فإنه سيستمر سائراً على نفس النهج السياسي الذي بداه ترامب في الشرق الاوسط، ويأمل بايدن و الكلام لستون أن تتوسع هذه الاتفاقيات في أقرب وقت ممكن لتحل بين اسرائيل وجيرانها العرب الأقربين إليها جغرافياً.