Site icon IMLebanon

نتنياهو يراوغ والأسوأ آتٍ

 

 

في الأيام الأخيرة، أظهر بنيامين نتنياهو وشركاؤه في حكومة الحرب استعداداً لم يكن متوقعاً للتهدئة في لبنان وغزة. وفي الموازاة، نفّذوا ضربة لإيران يمكن اعتبارها شكلية. وهذه الإشارات سارع البعض إلى اعتبارها علامات انهيار مفاجئة في قدرات إسرائيل. لكن آخرين يحذّرون من «الغرق في شبر الماء» الإسرائيلي، ويؤكّدون أنّ ما يبدو اليوم وكأنّه «ليونة» ليس سوى مناورة موقوتة بأيام، وقد شارفت على الانتهاء.

 

 

يتسرّع الذين يعتبرون اليوم أنّ إسرائيل أصيبت بالتعب واستنفدت قدراتها العسكرية والسياسية، وأنّها لذلك بدأت تلين مواقفها، ففتحت باب المفاوضات في القاهرة من أجل تسوية في غزة، ودخلت في مساومات جديدة مع عاموس هوكشتاين حول تسوية للحرب في لبنان، وقرّرت أن تتراجع عن توجيه ضربات لإيران ذات مفاعيل استراتيجية. فقبل أيام قليلة، كان الجميع مقتنع بأنّ نتنياهو يصرّ على رفع سقف التصعيد إلى الحدّ الأقصى، ميدانياً وسياسياً، وعلى رفض التسويات والاستعداد لحروب طويلة جداً في غزة ولبنان، والتحضير لتوجيه ضربات إلى إيران ونظامها، تعطّل قدراته النووية والتوسعية.

 

والمثير هو أنّ بعض الأصوات العربية، في البيئات السياسية والإعلامية المعنية، سرعان ما قرّرت الاستفادة من «الليونة» الإسرائيلية لرفع السقف مجدداً، واستعادة الخطاب الذي كان سائداً قبل انفجار الحرب في غزة ولبنان. ومفاد هذا الخطاب أنّ إسرائيل عاجزة عن خوض الحرب مع «حماس» و«حزب الله» وإيران، لأنّها لا تتحمّل الخسائر المنتظرة بالأرواح، من مدنيين وعسكريين، كما أنّ مجتمعها لم يعد مستعداً لتعطيل الاقتصاد، لأنّه بات بلا قضية وضعيف العصبية.

 

لكن هذه النظرة إلى إسرائيل واستعداداتها للحرب تبقى مجتزأة ومبالغاً فيها. فقد أثبتت الحرب الدائرة منذ تشرين الأول 2023، في لبنان وغزة، أنّ حكومة اليمين واليمين المتطرّف في إسرائيل غامرت بمصير 250 رهينة وتابعت الحرب في غزة، وهي تبدو مصرّة على مواصلتها لأشهر أخرى، بل ربما سنوات. كما أظهرت هذه الحكومة شراسة في الحرب على «حزب الله» على رغم من خسائر الجيش، متجاوزة أزمة النزوح والتعطيل الجزئي لدورة الاقتصاد في الشمال.

 

وفي الخلاصة، لا يبدو منطقياً الرهان على «هشاشة» الإسرائيليين في مواجهة الحروب. وعلى العكس، تبين أنّ الهشاشة الفعلية هي التي تصيب لبنان وغزة، حيث الضحايا يسقطون بالآلاف لأنّهم بلا ملاجئ، ويعانون الجوع والعطش والمرض، وتُدمَّر منازلهم والبنى التحتية وتُدفن في أنقاضها العائلات.

 

إذاً، ثمة من يسأل، ما خلفيات الليونة المفاجئة التي تبديها إسرائيل منذ أيام، في غزة ولبنان، وما هو دافعها إلى تنفيذ عملية هزيلة ضدّ إيران، بعدما توعدتها بضربات مزلزلة؟

 

العارفون يؤكّدون أنّ ما تقوم به إسرائيل اليوم هو مناورة سياسية لا أكثر. وفي الخلفيات أنّ نتنياهو وشركاءه في الحكم يراعون اليوم إدارة الرئيس جو بايدن التي قدّمت لهم كل أنواع الدعم العسكري والسياسي، وتعهدت بمضاعفة هذا الدعم بعد الانتخابات في حال فوز كامالا هاريس. ويتردّد أنّ نتنياهو تلقّى وعوداً من بايدن بالحصول على دفعات هائلة من السلاح والذخائر التي سبق أن طلبها الجيش من واشنطن، فيما تبقى ترسانة الأساطيل في التصرف، وكذلك منظومة «ثاد» الدفاعية.

 

 

فبناء على هذه التعهدات، قرّر الإسرائيليون مراعاة تمنيات إدارة بايدن بتخفيف الاحتقان في الشرق الأوسط، ولو شكلاً، ما يتيح للديموقراطيين أن يعلنوا نجاحهم في تنفيس الاحتقان ويجيروا ذلك لمصلحتهم في الانتخابات. ولذلك، أبدى نتنياهو الاستعداد لجولات تفاوض ولو شكلية حول غزة ولبنان. كما نفّذ الإسرائيليون عملية عسكرية منسقة مع طهران، لكي يوحوا بأنّ الضربة الموعودة قد جرت فعلاً وانتهت، وأنّ هذا هو حجمها.

 

ولكن، في الواقع، كل هذا محسوب بدقة في إسرائيل. وإذ يقوم نتنياهو احتياطاً بتسليف هاريس بعض الإشارات الإيجابية، فإنّه يتوقع منها أن تردّ له هذا الدعم إذا فازت في الانتخابات. وهو سيستثمره في مطالبتها بالشراكة في توجيه الضربة الاستراتيجية الموعودة ضدّ إيران. وأما إذا فاز ترامب، فستكون شراكة واشنطن لإسرائيل في الحروب الشرق أوسطية كلها، وخصوصاً في ضرب إيران، أمراً سهل التحقيق، لأنّ ترامب يرفع اليوم في حملته الانتخابية شعار ضرب إيران والقضاء على نفوذها النووي والتوسعي.

 

لذلك، على الأرجح، ما يبدو اليوم ليونة إسرائيلية ستنتهي في 5 تشرين الثاني المقبل. وبعد ذلك، وفي ضوء النتائج، سيفتح نتنياهو بازاراً مع واشنطن حول «الأجندة» التي يريد تنفيذها. وفيما يستعد نتنياهو للأسوأ والأصعب، يُقال إنّ طهران ترسم خطة تجنّبها الحدّ من الأكلاف المتوقعة. ولكن، لا يبدو أحد قادراً على التقليل من حجم الكوارث في لبنان وغزة.