على رغم كل الإشارات التي أرسلتها واشنطن عن الحكومة الجديدة، فاتحة الباب لإمكان اعتبارها خطوة على طريق مساعدته على تجاوز أزمته الاقتصادية المالية الخانقة من جهة وتقديرها بأن لـ”حزب الله” نفوذاً كبيراً عليها من جهة ثانية، فإن تتبع مسار سياستها تجاه لبنان يدل إلى اعتمادها الأسلوب نفسه الذي تتبعه في العراق بالمزاوجة بين التعايش مع دور إيران فيه، وبين ممارسة الضغوط عليها وعلى الحزب بتشديد العقوبات وبخطوات تصعيدية حيالها، بلغت في بلاد الرافدين، اغتيالها اللواء قاسم سليماني…
كرر كل من وزير الخارجية جورج بومبيو ومساعده لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر اللازمة التي يرددها المجتمع الدولي: “في حال كانت الحكومة متجاوبة وجاهزة لتنفيذ التزاماتها فسنُساعدها وندعمها”، كما قال بومبيو، ثم هاجم الحزب. أما شينكر فبعد ربطه دعمها بالإصلاحات ومحاربة الفساد، رأى أن من شكّلها “حزب الله” وحلفاء النظام السوري. ولم يستبعد أن تصدر عقوبات جديدة قريباً.
أجّل التجاذب بين وجهتي نظر معروفتين في واشنطن، فرض عقوبات على حلفاء للحزب من القيادات المسيحية. وهي قد تصدر في الأسابيع القليلة المقبلة. في الخارجية من ينطلق من القلق إزاء انهيار لبنان بفعل العقوبات على الحزب لأن تأثره أقل بها. أما وجهة النظر الأخرى فتعتبر أن الانهيار سببه فساد الطبقة الحاكمة وتسوياتها مع الحزب لمصلحة هيمنته ولا مانع من سقوط هذه الطبقة عبر سياسة الخنق التدريجي للحزب مع وقف كل أنواع المساعدات، لتجري لاحقاً إعادة بناء الاقتصاد اللبناني.
تقود وجهة النظر الأولى إلى التعايش غير المعلن مع نفوذ الحزب، حتى لو كان موقتاً. ويستدل بعض العارفين بما دار في كواليس تأليف حكومة الرئيس حسان دياب ببعض الوقائع بإن الجانب الأميركي اهتم بإيصال الرسائل إلى المعنيين في شأن حقيبتين رئيسيتين على ألا يكون على رأسهما خصوم.
الأولى هي الدفاع نتيجة حرص واشنطن المعروف على الجيش الذي تستمر في دعمه وتزويده بالسلاح وتوظف أموالاً لذلك. كما أنها تحرص على ألا يتولى الوزارة من يخوض معارك ضد قائده العماد جوزيف عون، تجنباً لتجربة الوزير السابق الياس بو صعب الضاغطة عليه، ولقطع الطريق على محاولة تغييره وفق بعض التلميحات التي أوحى بها بعض رجالات العهد عبر التسريبات. ويشير العارفون بكواليس التأليف إلى أن تولي السيدة زينا عكر الدفاع (نائبة رئيس مجلس الوزراء) يبعد احتمالاً من هذا النوع لأنها تدرك أن صلاحيات الوزير محدودة حيال الجيش قياساً إلى صلاحيات القائد. وهذا يريح الجانب الأميركي. كما أن دولاً عربية معنية أبدت اهتماماً بشخصية من يتولى هذه الحقيبة.
الخارجية هي الحقيبة الثانية التي تحدث بعض العارفين بكواليس التأليف عن الاهتمام الأميركي بمن ستوكل إليه. وبات معروفاً انزعاج دول غربية وعربية من مواقف الوزير جبران باسيل أثناء توليها. لكن شخصية الوزير ناصيف حتي كديبلوماسي عتيق ومحترف، له علاقة مع الدول الغربية (خصوصاً فرنسا) والعربية، خلال توليه مهمات عدة لا سيما سفير الجامعة العربية في باريس لسنوات، تريح هذه الدول، على رغم أن فريق الرئاسة حاول إبعاده مع أن إسمه ورد في لائحة رئيسي الجامعتين الأميركية واليسوعية فضلو خوري وسليم دكاش، حين استشارهما الرئيس ميشال عون بأسماء تكنوقراط.
يعتقد من واكبوا التأليف أن خلفية وشخصية عدد من الوزراء لا تستفز الأميركيين والغرب. فوزير المال غازي وزني يتمتع بسمعة طيبة واختصاصي ليبرالي بأفكاره، ووزارته، مع الدفاع والخارجية ركيزة أساسية للمرحلة. كذلك وزراء العدل ماري كلود نجم والبيئة دميانوس قطار والإعلام منال عبد الصمد، الذين لهم علاقاتهم المتنوعة.
وربما لهذا قال شينكر سننتظر ونرى. وقال الشيخ نبيل قاووق إنها ليست حكومة مواجهة.
يسارع العارفون بهذه الوقائع إلى القول إن هذا لا يكفي لتأتي المساعدات.