منذ عام 1978، أي منذ مجيء آية الله الخميني في نهاية شهر شباط 1978، وهناك سؤال كبير يتردد باستمرار هو: من هذا الشيخ «أو الإمام المعمّم الذي كان يسكن في العراق، وتحديداً في النجف، خوفاً من بطش شاه إيران حيث قتل أحد أبنائه في إحدى التظاهرات الشعبية ضد نظام الشاه والمطالبة بعدد من الاصلاحات، أهمها ما يسمّى بالثورة الزراعية، حيث كانت مطالب المتظاهرين توزيع الأراضي على الفلاحين؟».
بقدرة قادر، غادر الشاه إيران هارباً بعد تنازله عن العرش وكان مريضاً، ولم يجد بلداً في العالم يقبل باستقباله.
وحده الرئيس أنور السادات رحّب بالشاه، وأقام له استقبالاً كبيراً في المطار، وذهب ليعيش في الأقصر، وخصّص له الرئيس السادات قصراً هناك حتى موته.
بالعودة الى سر عودة آية الله الخميني بعد أن قضى فترة في باريس في منطقة نوڤل لو شاتو، وكان يوزّع كل يوم جمعة بعد صلاة الظهر آلاف من «الكاسيتات» ما لبث أن تعدّى عددها الملايين، وهنا سؤال ثانٍ من كان يدفع تكاليف هذه التسجيلات؟
أما السؤال الثالث فهو كيف سمحت السلطات الفرنسية لآية الله الخميني بالإقامة في باريس، وكيف كانت تسهّل له الإقامة وتقدم التسهيلات المطلوبة للعيش كلاجئ سياسي وترتيب أوضاعه المالية، وتمنحه حرّية التعبير ونشر «الكاسيتات» المعادية لرئيس دولة ثانية، كان آخرها أنه انتقل بطائرة «إير فرانس» الفرنسية التي قدمتها الحكومة الفرنسية خصيصاً له؟
عاد آية الله الخميني وأزال الشاه فتسلم الحكم في إيران حيث تحوّلت الى اسم جديد هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأوّل عمل قام به آية الله الخميني هو حصار السفارة الاميركية في طهران ومنع الموظفين من الدخول إليها أو الخروج منها، وظلّ الحصار مدّة 444 يوماً… حتى حصلت الانتخابات الرئاسية الاميركية، وكان الرئيس رونالد ريغان مرشحاً يومذاك فأعلن أنه لو قدّر له النجاح فلن يسمح للإيرانيين بحصار السفارة يوماً واحداً، وهكذا حصل. طبعاً حاصر النظام الجديد السفارة، وألغى السفارة الاسرائيلية في طهران واستبدلها بالسماح بفتح سفارة فلسطينية في إيران بالإضافة الى إطلاق شعار «الشيطان الأكبر» لأميركا و«الشيطان الأصغر» لإسرائيل.
أهم خدعة فعلها نظام «الملالي» الجديد كانت تأسيس الحرس الثوري ليتسلم البلاد، وأقام من خلال هذا الحرس «فيلق القدس» وعيّـن اللواء قاسم سليماني قائداً له.
واللافت أنّ «فيلق القدس» شارك في الحرب الأهلية في العراق الى جانب الميليشيات الشيعية التي أسّسها ودعمها اللواء سليماني وكان هو الموجّه والقائد لها كما فعل في سوريا أيضاً، وشارك في قتل الشعب السوري لإبقاء بشار الأسد رئيساً.
والطامة الكبرى أنه منذ اليوم الأول الذي تأسّس فيه «فيلق القدس» فعل كل شيء في العالم ولكنه لم يفعل شيئاً بالنسبة لموضوع القدس، أي انه لم يطلق رصاصة واحدة في سبيل تحرير القدس.
وفي عودة سريعة لتاريخ العلاقات الأميركية – الإيرانية منذ أرسل الرئيس الاميركي جيرالد فورد وزير خارجيته هنري كيسينجر الى إيران لإقناع شاه إيران بدخول حرب مع العراق ليتسنّى لأميركا تدمير العراق والسيطرة على نفطه، ورفض شاه إيران دخول الحرب، إذ اعتبرها مكيدة أميركية لإضعافه وإزاحته. ومروراً بالعام 1976 حين بدأت الولايات المتحدة جدّياً بوضع خطة سريعة لتنحية الشاه واستبداله بزعيم أكثر طاعة، فحرّكت الشارع الايراني ضد الشاه حتى بات يغلي، ما مهّد للخميني إعلامياً ولوجستياً بعد الاتفاق معه في فرنسا على المخطط الجديد.
وبعد تفاقم الوضع في إيران، استجار الشاه بالرئيس الاميركي جيمي كارتر، لكن الأخير نصح الشاه بترك إيران والسفر…
إنها المؤامرة التي حاكتها واشنطن بعناية، ورسمت خطواتها باتقان للتخلص من الشاه واستبداله بآية الله الخميني، ومن ثمّ العمل على إزاحة صدام بتوريطه في حرب الكويت…
ولا تزال الولايات المتحدة تضحك على «الشعوب العربية» محاولة إقناعها بأنّ إيران عدوّة لها، فتطلب من الايرانيين سب أميركا وإسرائيل، في حين أن الحقيقة هي أنّ أميركا وإيران حليفان، وهما وجهان لعملة واحدة.