ذكرنا في الحلقة الأولى كيف أنّ الجمهورية الاسلامية الإيرانية، صارت في المرتبة الأولى بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، وتمكنت خلال 44 سنة من أن تصبح الحليف الأول لها في العالم، متفوّقة على إسرائيل في هذا المجال.
وها نحن نحاول في هذه الحلقة البدء بالهدف الأول الذي حاولت أميركا تحقيقه، من أجل التمهيد للسيطرة الإيرانية وتنفيذ الاتفاق السرّي بينها وبين آية الله الخميني لإزالة العقبات من طريقه… الهدف الأول الذي سعت الولايات المتحدة الى تقويضه هو العراق.
كما ذكرنا سابقاً، فإنّ رئيس الديبلوماسية الاميركية هنري كيسينجر كان قد وضع مخططاً للقضاء على الجيش العراقي لأنه بعد حرب 6 تشرين الأول 1973 المجيدة أدرك أنّ إسرائيل لا يمكن لها أن تعيش مع دول عندها جيوش مهمة جداً كالجيش المصري والجيشين السوري والعراقي. وبالنسبة لكيسينجر كان الأخطر بالنسبة إليه هو الجيش العراقي، لأنّ العراق بلد غني يملك أسلحة متطورة وجديدة وإمكانياته المالية تسمح له بأن يكون عنده أقوى جيش وأفضل العتاد. وهنا علينا أن نتذكر المفاعل النووي تموز العراقي الذي دمرته إسرائيل بواسطة مقاتلات من طراز «اف-15» و«اف-16» في 7 حزيران 1981.
كل هذا دفع كيسينجر أن يختار آية الله الخميني وسيلة لخلع الشاه وعودة الأول بعد تحضيرات قامت بها المخابرات الاميركية حيث نقل الى باريس، وهناك وضعت تحت تصرفه الأموال لتحضير العودة الى طهران.. كذلك تدخلت المخابرات الاميركية لتطويع ألوية الجيش الايراني.
هنا لا بد من العودة الى الدور الاميركي في خلع الشاه. فقد بدأت تظاهرات في الشوارع الايرانية ضد الغلاء، فنصح الرئيس الاميركي جيمي كارتر الشاه بمغادرة البلاد وأن يقضي إجازة في الخارج تاركاً وراءه رئيس وزراء لا يحظى بشعبية وجيشاً في حالة من الفوضى هو عبارة عن 400 ألف رجل مع اعتماد كبير على الاسلحة والمشورة الاميركية.
عاد آية الله الخميني الى إيران بعد 15 عاماً في المنفى، وجعل عطلة الشاه إجازة دائمة…
البيان الذي أصدره الخميني لطمأنة أميركا في أول رسالة شخصية له كان لافتاً إذ أخبر البيت الابيض أنه لا داعي للذعر بخسارة حليف له منذ 37 عاماً يعني (الشاه) وأكد انه سيكون صديقاً وحليفاً للولايات المتحدة.
ويبدو هنا أنّ آية الله الخميني نسي خطابه وشعاراته عن الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر يعني أميركا وإسرائيل.. إذ تبيّـن انه كان يرسل للرئيس الاميركي رسالة ثانية كما يقولون تحت الطاولة، يطمئنه فيها بأن لا يهتم بالشعارات. نعم هذه حقيقة العلاقة بين آية الله الخميني وبين الاميركيين.
كذلك أكد الخميني في رسالة ثانية الى الاميركيين يقول فيها: «نحن لا نحمل أي عداء للأميركيين..» الاميركيون بدورهم كشفوا أيضاً عن مجموعة وثائق تضم بعض البرقيات الديبلوماسية والمذكرات السياسية ومحاضر جلسات تحكي قصة العلاقات السريّة بين أميركا والخميني.
كما أنّ هناك أيضاً وثائق تشير الى ان الخميني كان يعمل مع الولايات المتحدة الاميركية… وكثيراً ما كان يتودّد لإدارة الرئيس الاميركي جيمي كارتر. ويكفي ان إحدى هذه الوثائق كشفت ان الخميني أرسل عام 1963 خلال احتجازه ووضعه قيد الإقامة الجبرية في طهران، يؤيّد فيها الولايات المتحدة بقوة ويَعدِها بالإبقاء على مصالحها في إيران في حال وصل الى السلطة، وبأنه لا يُضْمِرَ شرّاً لها، بل هو حريص على التحالف معها.
إنّ قرار أميركا بإزاحة الشاه وإعادة الخميني من منفاه الى «نوفل لوشاتو» قرب باريس ثم الى طهران تدل على أنّ الخمينيين قد نسجوا علاقات مصالح معلومة مع «الشيطان الأكبر» منذ البداية.
الحقيقة ان جماعة الخميني وبإشراف منه شخصياً كانوا يبحثون عن مصالح نفعيّة حقيقيّة، فقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ آية الله الخميني قام بتطمين الأميركيين في ما يخصّ تدفق الإمدادات النفطية.
وقد لعب آية الله الخميني ورقة سياسية في غاية الحيويّة وفي الوقت المناسب. إذ أقنع واشنطن بضرورة استمرار نفوذها في إيران… ولا يمكن نسيان فضيحة «إيران كونترا» (1985- 1986) وصولاً الى أيام الصفقة الكبرى السريّة التي كان يحيك خيوطها الرئيس حسن روحاني مع وزير خارجية باراك أوباما جون كيري.
أليْس هذا كافياً لتأكيد أنّ أميركا اختارت إيران بديلاً من إسرائيل؟