أشرت أمس في الحلقة الثالثة الى ان آية الله الخميني، ومنذ أن وطأت قدماه أرض طهران عمل جاهداً لتحقيق هدف هو التشييع، وتصدير هذا الهدف الى الدول المجاورة. وأكدنا أنّ هذا الكلام استفزّ الرئيس العراقي صدّام حسين الذي اعتبره تحريضاً على فتنة طائفية.
وها نحن اليوم نسرد بعضاً من الوقائع والأحداث التي تسلّط الضوء على غزو الكويت واحتلالها.
إذ يبدو ان الحرب الايرانية على العراق لم تكتفِ بالقضاء على الجيش العراقي وعلى الرئيس صدّام حسين، بل كانت تهدف الى أكثر من ذلك من خلال مؤامرة جديدة للقضاء على العراق نهائياً، هنا يُقال إنّ المخابرات الاميركية كانت قد درست عقليّة الرئيس صدّام حسين، وكيفية ردود فعله على الاستفزاز؛ فما كان من مؤتمر القمة الذي عُقد في بغداد عام 1988 إلاّ ان شهد خلافاً بين نائب الرئيس العراقي عزة ابراهيم وبين وزير خارجية الكويت الشيخ صباح الاحمد الذي أصبح في ما بعد أميراً للكويت… سبب الخلاف ان هناك ديوناً على العراق للكويت أثارها نائب الرئيس العراقي، فكان جواب الامير صباح الاحمد ان هذه الديون دفترية والكويت لا تطالب بها بل العكس يمكن أن يستعملها العراق كي يبرهن بأنه مديون أمام دائنيه ويطلب تأجيل دفع المستحقات.
وهناك مشكلة ثانية أثارها العراق في القمة هي أنّ هناك حقلاً نفطياً مشتركاً بين الكويت والعراق، وكان ترسيم الحدود بين الكويت والعراق أظهر خلافاً بين الدولتين على الجزء الداخل في أراضيهما. فالكويت أطلقت على الحقل المذكور اسم «الرتقة» في حين أطلق العراق على الحقل المذكور اسم «الرميلة». وبدأت العراق بنشر أخبار غير صحيحة منها ان الكويت استغلت انشغال العراق بالحرب مع إيران فسحبت كميات كبرى من النفط ولم ترد تسديد ثمنها للعراق، وهذا في الحقيقة ادعاء ثانٍ غير صحيح، لأنّ وزير خارجية الكويت الشيخ صباح الاحمد يومذاك كان يهتم بالدفاع عن صدّام في المحافل الدولية، وكان يعتبر ان العراق أهم دولة تدافع عن الدول الخليجية ضد المشروع الايراني.
وللأسف سقط صدّام حسين باقتناعه بأنّ الكويت أصبحت عدوّة له، وهكذا قرّر في 7 آب عام 1990 احتلال الكويت… وبالفعل قامت القوات العراقية باحتلال الكويت، خاصة وأنّ الكويت دولة صغيرة لا تستطيع أن تدافع عن أراضيها أمام القوات العراقية التي تتفوّق عليها بالرجال والسلاح.
هنا لا بد من أن نتذكر أيضاً أنّ المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز أرسل أمير الظهران الى الكويت لمرافقة أمير الكويت وولي العهد الامير سعد العبدالله ووزير الخارجية صباح الاحمد وأقنعهم بوجوب ترك الكويت موقتاً وبعدها سوف نحرّر الكويت من الغزو العراقي الغاشم… وطلب الملك فهد بن عبد العزيز من الرئيس الاميركي جورج بوش الاب تحرير الكويت، وأنّ المملكة ستدفع جميع التكاليف مهما بلغت. وبالفعل كانت المرّة الأولى التي اضطرت فيها المملكة الى الاستدانة من البنوك السعودية لتسديد تكاليف الحرب.
رئيس الوزراء اللبناني سليم الحص كان أوّل رئيس حكومة عربية يرفض الغزو العراقي، فعقدت قمة في القاهرة في 15 آب 1990 تقرر فيها الطلب من العراق الانسحاب من الكويت وأنّ الدول العربية مجتمعة سوف تعوّض على العراق ما يحتاجه… طبعاً رفض صدّام كل المساعي لحل قضية احتلال الكويت.
وهنا يجب أن نسجّل للرئيس حافظ الأسد انه وافق مع أشقائه الرؤساء العرب على الطلب من الرئيس صدّام حسين الانسحاب من الكويت، وأنّ الرئيس الأسد مستعد أن يقف الى جانب الرئيس العراقي إذا انسحب، لا بل أكثر حيث طلب منه أن يسمح له بتأمين اتفاق على الانسحاب مع الأميركيين وأنه يستطيع أن يحقق له شروطاً مفيدة جداً ومثمرة للعراق… للأسف رفض الرئيس صدّام وأصرّ على البقاء في الكويت.
هنا جاءت الفرصة التاريخية لأميركا وحضّرت جيشاً قوامه 500 ألف عسكري. طبعاً الرئاسة والأكثرية في الحملة كانت لأميركا والقيادة للأمير خالد بن سلطان، وهنا علينا أن ننتبه الى ان الرئيس الأسد أرسل قوة عسكرية الى السعودية لتحرير الكويت تقدّر بـ400 عسكري وضابط كان ثمنها غالياً بالنسبة إليه حيث أطلقت يده بالكامل على لبنان وصرف على البعثة العسكرية مبالغ طائلة.
تحرّرت الكويت وكان ثمنها غالياً بالنسبة للعرب حيث دفعت السعودية المليارات والكويت أيضاً واستنزفت مواردهما، والعراق تكبّد خسائر مالية وعسكرية وخسر عدداً كبيراً من جيشه الذي كان من أهم جيوش الشرق الأوسط. والرابح الوحيد كانت أميركا ثم إسرائيل.
وهكذا بدأ المشروع الأميركي بالتقدّم حيث وضعت العراق تحت بند العقوبات، وكان شعار النفط مقابل الغذاء وذلك لمدة 13 عاماً حتى وقت احتلال العراق.
[وإلى اللقاء في الحلقة المقبلة]