Site icon IMLebanon

“الرمزية” بين إيران وأميركا

 

 

حين زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بيروت في شهر تشرين الأول الماضي، تلقى نصيحة من مسؤول لبناني بأن إنجاز التفاوض مع أميركا على الاتفاق النووي في فيينا يحتاج إلى لقاءات مباشرة مع المفاوض الأميركي لأن مواصلة التفاوض غير المباشر، وعدم التحدث وجهاً لوجه مع المسؤولين الأميركيين المعنيين بهذا الملف غير عملي وتعتبره واشنطن نوعاً من الاستخفاف وعدم الجدية التي تنعكس على النتائج. هذا على رغم أن لقاءات سرية مباشرة حصلت بين الجانبين في سلطنة عُمان وبتسهيل من الأخيرة، فما الذي يمنع من أن تكون علنية ولماذا يجري الأمر عن طريق الاختباء وراء ورقة التين من دون اعتبار للأصول في العلاقات بين الدول.

 

تقصّد الجانب الإيراني اتباع هذا الأسلوب من دون أن يدرك أن التعاطي بطريقة توحي بالندية مع الدولة العظمى يعتبرها الجانب الأميركي استهزاء بمكانة واشنطن الدولية وتضخيماً غير واقعي لواقع إيران، التي يعتبرها مأزومة وتسعى إلى معالجة أزمتها الاقتصادية عبر الإصرار والإلحاح على رفع العقوبات القاسية والمتعبة المفروضة عليها، سواء بالنسبة إلى تخطيها المسموح به في اتفاق 2015 في ما يتعلق بنسبة تخصيب اليورانيوم، أو تلك المتصلة بتطوير برنامجها الصاروخي، أو في شأن النشاطات المتهمة بها على أنها إرهابية، أو بالنسبة إلى تسليحها ودعمها الميليشيات في دول المنطقة من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، التي تعتبرها إدارة جو بايدن، والكونغرس بحزبيه الديموقراطي والجمهوري، مزعزعة للاستقرار الإقليمي. كما أن الجانب الأميركي يعرف مدى حاجة طهران لرفع هذه العقوبات نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي فيها على رغم المظاهر المعاكسة التي تحرص القيادة الإيرانية عليها. وهو يدرك أيضاً أن بعض وسائل الالتفاف التي يلجأ إليها الجانب الإيراني على هذه العقوبات تتم تحت أنظاره وبتساهل منه لبيع طهران شحنات من النفط، وذلك بغرض تسهيل حصولها على بعض العملة الصعبة لاستيراد بعض المواد الضرورية.

 

عدم انتقال التفاوض إلى الأسلوب المباشر هو واحد من الأسباب الكثيرة لتأخر تظهير النتائج الإيجابية التي تم التوصل إليها، في فيينا. فالقيادة الإيرانية تريد أن تظهر أمام شعبها وأمام المتشددين في طهران على أنها تتعاطى وفق شروطها مع واشنطن وأنها تتصرف بكبرياء في وجه القوة العظمى.

 

لم يُعرف إذا كان الجانب الإيراني أخذ بالنصيحة اللبنانية. لكن الجانب الإيراني يتصرف باستعلاء مع لبنان وليس في وارد الأخذ بنصيحة شخصيات مسؤولة في بلد صغير، يعتبر أن له اليد الطولى في قراره السياسي وسلطته، حتى لو كانت النصيحة من جهة صديقة. لكن بعض العارفين من المسؤولين اللبنانيين يقولون إنه ما إن تخرج إلى وسائل الإعلام صور للقاءات مباشرة أميركة إيرانية فعلى المرء أن يتوقع اقتراباً فعلياً للإعلان عن الاتفاق.

 

في زيارته الثانية في 23 آذار الماضي أبلغ عبد اللهيان المسؤولين اللبنانيين أن التقدم الحاصل في المفاوضات توقف عند نقطتين: الأولى مطلب طهران رفع «كل» العقوبات والثانية إزالتها عن جميع الذين يُحسبون على أنهم من فريق ومعاوني قائد «قوة القدس» السابق اللواء قاسم سليماني الذي قتل بغارة أميركية في بغداد مطلع العام 2020 . فلهذا رمزية مهمة بالنسبة إلى القيادة الإيرانية، موازية لرمزية عدم عقد لقاءات مباشرة وجهاً لوجه مع المفاوضين الأميركيين.

 

المواربة التي يعتمدها المفاوض الإيراني في المباحثات مع الجانب الأميركي اقتضت أن يرفض البحث في الأزمات الإقليمية، لكنه يقبل في المقابل أن تتم مناقشتها مع القوى الإقليمية المعنية، مثل اللقاءات التي تجرى بينه وبين الجانب السعودي والتي بدأت قبل أشهر في بغداد، بتسهيل من الجانب العراقي وبتشجيع من وساطة أممية. فالقيادة الإيرانية توحي برفضها الانصياع لضغوط أميركية في بحث هذه الأزمات لكنها في الواقع فتحت خطوط التفاوض مع الأطراف الإقليمية المعنية بها ولا سيما السعودية. وطهران تنسب إلى الجانب السعودي اقتراحه نقلها من بغداد إلى مسقط كي تتجنب الإقرار بأنها تجاوبت مع طلب واشنطن منها أن تعمل على إيجاد حلول للحروب التي تشارك فيها وخصوصاً في اليمن، إذا كانت تريد فعلاً رفع العقوبات عن الحرس الثوري، كما أعلنت. والحديث عن تقدم في التفاوض مع السعودية في تصريحات عبد اللهيان عكسه في محادثاته المغلقة في بيروت.

 

لكن طهران ترفض أي بحث للوضع في لبنان مع واشنطن على رغم أن الأخيرة اقترحت أن يشمله أي تفاوض.