واشنطن وطهران تجمعهما مصيبة كورونا… وبغداد متنفّسهما المشترك
لم يُخفّض الانشغال العالمي بالوباء الداهم منسوب التوتر في المنطقة، وخصوصا على خط الإشتعال الأميركي – الإيراني في العراق، الرقعة الأكثر خصوبة في الوقت الراهن لكل أنواع الأوبئة السياسية والعسكرية – الأمنية.
ما حصل في اليومين الأخيرين من قصف معسكر التاجي (3 قتلى من القوات الأميركية والبريطانية) الى الرد الأميركي في قاعدة الإمام علي في منطقة الهري في البوكمال بين سوريا والعراق، وهي القاعدة التي تضم فصائل إيرانية وأفغانية وعراقية يتقدمها حزب الله العراقي، وليس إنتهاء بالغارات التي شنتها مقاتلات أميركية وبريطانية على مواقع لفصائل منضوية في «الحشد الشعبي» في محافظتي بابل والأنبار، كلها مؤشرات سلبية دالة الى أن هذا الاشتعال مستمر، وإن بتقطع. صحيح أن هذا الاشتعال تمظهر على شاكلة عمليات إنتقامية ردا على اغتيال اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، لكنه ينطوي كذلك على بلوغ التوتر الأميركي – الإيراني مدى قد يصل الى نقطة اللاعودة مع ما يعني ذلك من إمكان تفلّت غير محسوب لن يكون العراق مسرحه الوحيد.
تغذّي التوتر مجموعة من العوامل، في مقدمها حاجات داخلية أميركية وإيرانية، المشترك بينها مآسي كورونا وتأثيراته الواسعة في السياسة الداخلية لكل من واشنطن وطهران.
أ- لم يكن الرئيس دونالد ترامب ليتوقّع أن يعكّر سنته الرئاسية الرابعة والممهدة لولايته الثانية وباء كشف خللا كبيرا في نظام الرعاية الصحية، وأعاد الى ذهن الناخب الأميركي الجهد الذي بذله سلفه باراك أوباما لإقرار نظام «أوباما كير» الذي وُصف على مرّ الأعوام الأربعة الفائتة بأنه العدو الداخلي الأول للرئيس ترامب. كما أن هذا الوباء وسرعة تفشيه بين الولايات (على سبيل المثال، صرّح حاكم ولاية أوهايو مايك ديواين أنه على علم بأن «1% من سكان ولايتنا يحملون فيروس كورونا اليوم، مما يعني إصابة أكثر من 100 ألف شخص (…) وقد نصل إلى مرحلة لا نتمكن فيها من إجراء فحوص كورونا بسبب كثرة الإصابات») يهدّد بقضم كل الإنجازات التي تفاخر بها ترامب في ولايته الأولى، وخصوصا تلك المتعلقة بالمؤشرات الاقتصادية الصاعدة، حجر الرحى في الحملة الرئاسية الراهنة وكل مواجهاته وحروبه مع الديمقراطيين، ما يعني حكما إنصراف الـMass الأميركية عن الاهتمام بالنمو الاقتصادي، مفخرة الجمهوريين نواة المعركة الرئاسية الترامبية، والانعطاف الحاد نحو الخطاب الاجتماعي الذي يعدّ عنوان الديمقراطيين المتقدم. ولا شك أن حملة ترامب ستأخذ في الاعتبار الواقع المستجد، فيما ثمة في الدائرة الرئاسية من يصر على إيجاد عنوان خارجي قابل للتسويق الداخلي ويشكل تحديا جديا للناخب الأميركي، وليس أفضل من ذلك مشهد لاهب في الشرق الأوسط.
وباء كورونا يكشف عورة ترامب الصحية ويهز ذهن الناخب الأميركي عشية الطموح إلى ولاية ثانية
ب – لا يشذ المشهد في طهران عن ذلك في واشنطن. فالنظام الإيراني يعاني إرباكا واسعا نتيجة تفشي الوباء والنقص الحاد (حد الانعدام) في القدرات الرعائية الذي دفع السلطات – يا للمفارقة – الى طلب الاستعانة بصندوق النقد الدولي. ويحفل الاعلام الغربي بصور من الأقمار الاصطناعية عن تجهيز طهران مساحات شاسعة كمقابر جماعية لضحايا الوباء، وباتهامات بتسترها على الأعداد الحقيقية الصادمة للإصابات والوفيات. ولا تخفى كذلك النقمة الشعبية من النقص في الإجراءات الوقائية ما أدى الى تفشي سريع ومميت، كل ذلك بفعل أن العلاقات التجارية الوثيقة مع الصين حالت دون اتخاذ السلطات تدابير صارمة منذ البداية للحد من انتشار الفيروس.
وترصد الدوائر الغربية، في هذا السياق، إمكان أن يركن النظام الإيراني الى إشغال جبهة خارجية لإمتصاص النقمة الداخلية جراء كورونا، وقبله الفورة ضد سلطة المرشد نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وفي اعتقاد تلك الدوائر ان العراق (ولبنان بدرجة أقل) يشكل مساحة صالحة للتصعيد، يغذيه التماس المباشر مع الأميركي، وهو تماس مرشح بيسر الى أن يتحوّل شرارة تصعيد عسكري تريد طهران جعل ثمن الرجوع عنه إخراج القوات الأميركية من العراق، مع علمها أنه ثمن باهظ قد لا يكون في المتناول بعد، ولا سيما أن ترامب لن يقبل أن تشوب سجلّه هزيمة على أبواب الانتخابات الرئاسية.
لذا ليس من المستبعد أن يحتدم المشهد الأميركي – الإيراني في الأشهر القليلة المقبلة، ويتمدد التوتر الى مساحات أخرى، من بينها لبنان، مع الإدراك الكامل بأن واشنطن مستمرة بحربها السياسية – المالية على حزب الله، بصرف النظر عن خسائرها الجانبية التي تصيب الاستقرار والتي لن تسهّل بالتأكيد مهمة حكومة حسان دياب الهادفة أولا وأخيرا الى إعادة ترتيب المشهد اللبناني عن طريق إعادة الاعتبار الى استقرار الحد الأدنى.