يشهد مسار المواجهة الأميركية – الإيرانية تصعيداً لافتاً بين الطرفين ليأخذ منحى الإشتباك المباشر خارج الحدود. وتسارعت الأحداث بشكل تجاوزت فيه الخطوط الحمر التي رسمها الجانبان للمواجهة المعهودة بالوكالة بينهما وسقطت المحرمات مع اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب مسؤوليته، عن اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد الدولي في كانون الثاني الماضي. وجاء الاعتراض الاميركي للطائرة الايرانية المتجهة الى بيروت بمثابة رسالة واضحة لما ستكون عليه عناصر المواجهة حتى في تفاصيل التفاصيل التي تعتمدها اسرائيل في انتقاء اهدافها لتشاركها في ذلك القوات الاميركية في المتوسط. على أن الفاصل بين إشتعال الإشتباك بين الطرفين هو الانتخابات الاميركية التي قد تستخدم كعنصر جاذب فيها، وبين التردد الايراني الذي يسعى الى نزع فتيل المواجهة المباشرة لسحب رصيد يمكن ان يضيفه ترامب الى اعتماده في عملية اعادة انتخابه.
يمكن التعاطي مع اعتراض طائرتين اميركيتين لطائرة ركاب ايرانية مدنية فوق سماء سوريا انطلاقاً من فرضيتين: الاولى ان المقصود هو إجبار الطائرة على تغيير مسارها ليتم التصدي لها من قبل الدفاعات الجوية السورية، فتوقع طائرة الركاب الإيرانية ما يتسبب بأزمة بين ايران وسوريا.
والثانية هي اعتماد التبرير الاميركي الذي ادعى تخوفه من ان وصول الطائرة الايرانية فوق سماء التنف محاولة استهداف للقواعد الاميركية الموجودة هناك. والمعلوم ان التنف خاضعة عسكرياً للوجود العسكري الاميركي وهناك مثلث حدودي عراقي – سوري – اردني ويمنع تحليق الطيران في اجوائها ولكن ليست المرة الاولى التي تمر فيها طائرات من هذا النوع، وبالتالي فهي فرضية تبريرية اكثر منها واقعية من وجهة نظر معنية بما حصل عن قرب، تبدأ بقراءة الاعتداء انطلاقاً من التوقيت الذي لا يعد بريئاً لا سيما في ظل الأجواء المحمومة في المنطقة والتأهب الاميركي لخوض الانتخابات، وقد قالها جون بولتون أمس الاول انها فترة الانتخابات الاميركية التي يجب استغلالها. يحتاج ترامب لتصعيد الاوضاع مع ايران كي يبني على نتائجها في الانتخابات القريبة، ويرى الاسرائيلي انها أكثر فترة مناسبة لضرب ايران المحكومة بعدم الرد كي لا تقدم ورقة تسعف ترامب في الانتخابات الرئاسية. هي فترة أخذ ورد إذاً ستكون مليئة بالرسائل. وخلال الفترة الاخيرة تكررت المضايقات الأميركية للطيران القادم من ايران باتجاه المنطقة.
ما يسعى اليه الاميركي منذ فترة هو استهداف خط التواصل الإيراني مع “حزب الله” عبر سوريا، وهو ما يسميه معابر امتداد للمقاومة في لبنان، بالمقابل لا يألو جهداً في محاولات إقفال المعابر المائية في منطقة اليونيفيل لاحداث الرقابة على حدود لبنان وهدفه إحكام الحصار على “حزب الله”. هي إذا مواجهة علنية ومفتوحة باتت حتمية الرد الايراني محسومة حيالها، لأن عدم الرد بالنسبة الى ايران معناه استباحة أكثر واعتداءات اكثر. تدرس ايران حق الرد ومجاله وتوقيته وهذا أمر لم يحسم بعد. المحسوم الوحيد هو الرد الذي لن يكون حكماً عبر لبنان الذي بدا واضحاً تحييده من قبل ايران، التي أصدرت بياناً حول الحادثة عبر وزارة الخارجية وليس عبر سفارتها في لبنان لتقول ان القضية ليست مرتبطة بلبنان، بل هي تقع ضمن شروط مواجهة ايرانية – اميركية.
وليس بعيداً من سوريا ايضاً لا يزال صدى الغارة التي شنتها إسرائيل قرب مطار دمشق وذهب ضحيتها عنصر من عناصر “حزب الله”، الذي يتردد في اوساطه حتمية رد تتهيب منه اسرائيل التي لا تزال تغرق في تنبؤ شكل هذا الرد ومداه وتوقيته. لا يربط “حزب الله” بين اغتيال احد عناصره وبين اعتراض مقاتلتين أميركيتين لطائرة ركاب إيرانية فوق الأجواء السورية والذي يعتبره اعتداء من قوة احتلال، فالحادثان منفصلان تماماً غير أن التوقيت بينهما ملتبس حيث وضع المنطقة المحموم جعل الربط بينهما حتمياً.
ومثل هذا الاعتداء لن يؤدي بالنسبة الى “حزب الله” الا الى تثبيت حق الردّ وفقاً لمعادلة أرساها أمينه العام السيد حسن نصرالله قبل سنة، وما زالت سارية حتى تاريخ الغارة الأخيرة. تقول هذه المعادلة: “تقتلون منا في سوريا فنقتل منكم في لبنان”. منذ الاعتداء على اللقيس العام 2014 إرتدعت اسرائيل عن مواصلة سياسة الاغتيالات في لبنان وركزت على استهداف عناصر “حزب الله” في سوريا. جرت العادة ان يستهدفوا مراكز خالية تابعة لـ”الحزب” او مراكز ايرانية لكن هذه هي المرة الاولى التي يستهدفون بها عنصراً من عناصره. اعتداء يجزم “حزب الله” وفق اوساطه بعدم تفويته من دون رد باشر دراسته بالتوقيت والكيفية.
بالمبدأ لن يمر الاعتداء من دون رد حتى ولو كان لبنان يغرق في ازمته الاقتصادية والصحية، فهذه ليست أولى الازمات التي يعيشها لبنان ولن تكون آخرها، ويذكّر “حزب الله” ان عمل المقاومة كان مستمراً في عز الانقسام السياسي الكبير حولها.