لم تكتفِ أميركا بتدمير الجيش العراقي يوم حرّرت الكويت عام 1990، ولم تكتفِ أيضاً بالحظر الذي فرضته على الطيران فوق العراق، ولا على النفط مقابل الغذاء، بل «اخترعت» أسباباً وهمية، لإسقاط نظام صدّام حسين، لأنّ الشعب يريد التحرّر من السلطة التعسفية التي يمارسها النظام… هذا أولاً.
اما الاتهام الثاني فكان ان هناك أسلحة دمار شامل يجب إزالتها.
ثالثاً: ان النظام يساعد ويؤوي «القاعدة»، أي جماعة اسامة بن لادن… هذا ما أعلنه أكثر من مرة الرئيس الارعن جورج بوش.. وكتبت مجلة «فورين افيرز» ان هذه التبريرات التي اعتمدها بوش لغزو العراق كما نشرت المجلة:
أولاً: الادعاء بأنّ الشعب يريد الحرية والتخلص من النظام وسوف يستقبل الشعب القوات الاميركية بالزهور والورود… في حين ان الاستقبال كان بالحديد والنار وآلاف القتلى من الطرفين. كذلك فإنّ ادعاء بوش ان الحرب ستكون سريعة ولأيام، تبيّـن ان الجميع عرفوا متى بدأت، ولكن النهاية لا أحد تكهّن بموعد نهايتها.
ثانياً: لم تجد القوات الاميركية ولو رجلاً واحداً تابعاً لـ«القاعدة»، أي من جماعة اسامة بن لادن.
ثالثاً: أين اسلحة الدمار الشامل التي روّج الرئيس بوش الاعلان عنها. فهم لم يجدوا أي اثر لها.
كل ما فعلته أميركا انها دمرت العراق والجيش العراقي والنظام العراقي. كذلك قضت على رئيس من أهم الرؤساء في العالم العربي.. ليتبيّـن انه عندما سقط نظام الرئيس صدّام، تحوّل العراق ومنذ ذلك الوقت ولغاية اليوم، أي بعد 20 سنة الى ساحة صراع، إذ لم يعرف العراق يوماً واحداً من الاستقرار، فما أن ينتهي العراقيون من مشكلة حتى تأتي مشكلة أبشع منها.
قبل الدخول الاميركي لم يكن هناك في يوم من الأيام تمييز مذهبي أي: هذا سنّي وهذا شيعي.. كانت المواطنة هي الاساس رغم حرب 8 سنوات بين العراق وإيران من عام 1980 الى 1988… ولم يتحدث أحد يوماً واحداً عن موضوع المذهبية.. كذلك فإنّ اللافت قبل مجيء نظام الملالي أنّ أحداً لم يتحدث عن موضوع الطائفية والأهم ان الرئيس صدّام حسين خلال ٨ سنوات حرب مع ايران لم يستعن بأحد من الخارج ولم يستدع قوات ليحارب الحرس الثوري الايراني الذي ذهب أفراده الى القتال وهم يلبسون أكفانهم، بدعوى أنّ الشهيد سوف يذهب الى الجنة، وكانوا يوزعون عليهم البيوت في الجنة.
فعلاً عندما أتذكر هذه الأمور التي لا يصدقها العقل أتحدّث مع نفسي.. كيف يمكن أن يكون هناك أشخاص يصدقون ما يقوله لهم «الملالي»؟
باختصار، دُمّر العراق ودُمّر الجيش العراقي وقُسّم العراق بين الأكراد في منطقتهم وباقي العراق انقسم بين أهل السنّة والشيعة. والعجيب الغريب ان هذا النظام الجديد يترأسه كردي رئيساً للجمهورية العراقية بينما يكون رئيس الوزراء شيعياً ورئيس المجلس النيابي سنياً… تركيبة عجيبة غريبة لا يمكن أن تعيش. والأسوأ ان السلاح موجود بكثرة بيد الميليشيات الشيعية المتطرفة والتابعة لإيران ولا يهمها وطنها العراق بل المهم ماذا يريد آية الله في طهران. هذا الشيء يشبه الى حد بعيد ما يجري في لبنان، حيث ان السيّد حسن نصرالله أعلن أكثر من مرة انه جندي في جيش ولاية الفقيه وأنه يعمل على أن يكون لبنان ضمن مشروع ولاية الفقيه.
ولا ننسى انه بعد احتلال العراق من قبل الاميركيين وتسليمه الى إيران، لم يعد النظام العراقي إلاّ جزءاً من دولة ولاية الفقيه… والأخطر ان كل إمكانيات وثروات العراق تهدر، من قبل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني الذي قتل في مطار بغداد هو ومعه نائب رئيس ميليشيا «الحشد الشعبي» وفي الحقيقة، لم يعد يحكم العراق أهل العراق، بل صار تابعاً لـ«فيلق القدس» الايراني الذي هو القائد الفعلي للعراق.
[وإلى اللقاء في الحلقة المقبلة]