حظيت الانتخابات الرئاسية الأميركية للعام 2020 باهتمام عالمي قل نظيره، نظراً للتنافس الحاد بين المرشحين وارتباطات أيضاً بشخصية الرئيس ترامب الإستثنائية ودخول جائحة كورونا كعامل مؤثر في نتائج تلك الإنتخابات.
أما في لبنان، فإن عادة اللبنانيين في التأثر والانجذاب لكل المتغيرات الخارجية، وبنتيجته فقد حظيت تلك الإنتخابات بإهتمام كبير ومتابعة غير عادية، ومرد ذلك لكون الجالية اللبنانية في أمريكا تعتبر الأولى بين الجاليات العربية المقيمة فيها، كما لترقب اللبنانيين لنتيجة الإنتخابات وتأثيراتها على شؤونهم الداخلية.
إن الاهتمام المتبادل بين الأمريكيين ولبنان قديم ويعود الى القرن التاسع عشر، فقد كان بليني فيسك أول مرسل تم إرساله من قبل المجمع الأميركي للإرساليات الأجنبية الى بيروت في العام 1819، بهدف تأسيس مدرسة، ليتبعه في العام 1823 إسحاق بيرد ووليم غودل، وإتخذوا مبنى صغير في محلة زقاق البلاط حيث قاموا بشراء الأراضي المجاورة له وأصبح يعرف بمركز الإرساليات ويصعد إليه بدرج عرف بإسم درج الأمريكان وفي ذلك المكان تأسست أول مدرسة إنجيلية، وفي العام 1825 إفتتح إسحاق بيرد أول مدرسة تبشيرية اجنبية عرفتها بيروت في تاريخها الحديث، وفي العام 1840 إنتقلت المدرسة الى عبيه.
في العام 1834، أنشأت سارة سميث مدرسة صغيرة للبنات، وكانت أول مدرسة من نوعها في بيروت، وفي نفس العام أصبح للإرسالية الإنجيلية مطبعتها الخاصة في بيروت، وأصبح لها كنيستها في العام 1869، ليتوّج العمل التبشيري الإنجيلي بتأسيس الكلية السورية الإنجيلية وقد حصلت على الترخيص من جامعة نيويورك في العام 1862، وإفتتحت أبوابها في العام 1866، في بيت في محلة زقاق البلاط إستأجره دانيال بلس وكرنيليوس فانديك من ورثة الحاج عبد الفتاح حمادة، وفي العام 1871 تم وضع حجر الأساس لأول مبنى في محلة رأس بيروت بعد شراء عدد من الأراضي في تلك المحلة، وفي العام 1873 تم الإنتهاء من بناء مبنى الكولدج هول، لتقوم الكلية باستحداث أبنية جديدة فيما بعد.
حملت بداية القرن العشرين احداثا بارزة توجت إندلاع الحرب العالمية الأولى والتي بنهايتها خرج لبنان من كنف الدولة العثمانية ودخل في كنف فرنسا، وبعد إعلان دولة لبنان الكبير، قام أعضاء عمدة الكلية في بيروت، واللجنة الإدارية في نيويورك، بإصدار قرار لإستبدال إسم الكلية القديم ليصبح « الجامعة الأميركية في بيروت» وذلك في 18 كانون الثاني من العام 1921، وكانت الجامعة في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى تستقبل الطلاب من كافة أبناء الدول العربية، إضافة الى عدد من دول الشرق الاوسط مثل إيران وتركيا وقبرص، وكان وصول بايارد دودج لسدة رئاسة الجامعة منعطفا في تاريخها، فقد بدأ في زمن رئاسته التعليم المختلط في الجامعة وذلك في العام 1924، وإرتفع عدد الطلاب من 449 عام 1923 الى 590 عام 1924، وقد إستمرت رئاسته ربع قرن وتحديدا من العام 1923 الى العام 1948، وأصبحت أهم الجامعات العاملة في الشرق واشهرها، وترك إنشاء الكلية ومن ثم الجامعة في منطقة رأس بيروت أثرا بارزا في ازدهار المنطقة خاصة وبيروت عامة، ولعل إطلاق إسم بلس على أحد شوارع العاصمة كان مؤشرا على أهمية تلك الجامعة ودورها التعليمي الرائد فضلا عن آلاف الخريجين الذين تركوا بصمات واضحة في المجتمع اللبناني.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تحولت الولايات المتحدة الى قوة عظمى، لتصبح بعد العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956 الوريثة لمناطق نفوذ فرنسا وبريطانيا في العالم بعد إضمحلال تلك القوتين وتزامن ذلك مع قيام الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، ونتيجة لتلك الحرب وقع لبنان ضمن مناطق التوتر نتيجة لانقسامه حول الانضمام الى حلف بغداد من عدمه، ثم توقيع لبنان الرسمي على مبدأ أيزنهاور، ليحمل العام 1958 دخول امريكي عسكري الى لبنان في 15 تموز بعد يوم واحد من الإطاحة بالنظام الملكي الهاشمي في العراق، ليدخل لبنان بقوة ضمن دائرة الإهتمام الأميركي، تمثل بإتفاق مع الرئيس عبد الناصر لتسلم الرئيس فؤاد شهاب الرئاسة في لبنان.
استمر التأثير الأميركي واضحاً في السياسة اللبنانية، ليحمل العام 1982 منعطفاً في تاريخ لبنان نتيجة إحتلاله من قبل العدو الإسرائيلي، وقد حصل تدخل أمريكي عبر الموفد فيليب حبيب، تبعه دخول قوات متعددة الجنسيات الى بيروت من ضمنها قوات المارينز الأميركية، وفي 18 نيسان عام 1983 وقع إنفجار السفارة الأميركية، تبعه توقيع إتفاق 17 ايار برعاية أميركية، ليتم إسقاط ذلك الإتقاق فيما بعد، ويحدث تفجير مقر الوحدة الأميركية في 23 تشرين الأول من نفس العام.
مع إستمرار الحرب الأهلية، حصل إتفاق أمريكي – سوري في أيلول من العام 1988 يقضي بوصول مخايل الضاهر لرئاسة الجمهورية، وفشل ذلك الإتفاق، ليحصل إتفاق الطائف في العام 1989، ويتبعه الحدث الكبير المتمثل بإجتياح العراق للكويت، ونتائجة الكارثية على صعيد المنطقة، وقد حصل بعده نوع من التفويض الأمريكي لسوريا في لبنان، نتيجة مشاركتها في التحالف الدولي ضد العراق.
في العام 2003، ظهر أن التفويض الأمريكي لسوريا قد أقترب من نهايته نتيجة صدور قانون محاسبة سوريا ثم القرار 1559، وصولاً الى العام 2005 وحصول التوافق بين الرئيسين بوش وشيراك حول لبنان وحصول زلزال إغتيال الرئيس رفيق الحريري.
منذ فترة يعيش لبنان في عزلة عربية ودولية كما يتعرض لأخطر أزمة إقتصادية في تاريخه، ليكتمل مسلسل المآسي بحصول إنفجار الرابع من آب، الذي أعاد الإهتمام الدولي بلبنان، وإستمر ضمن دائرة الإهتمام الأمريكي المتمثل بعقوبات غير مسبوقة ضد شخصيات لبنانية بارزة ومصارف لبنانية عاملة، مترافقا مع إشرافٍ مباشر على مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
إنّ انتخابات الرئاسة الأمريكية بمعزل عن نتائجها قد لا تغيّر كثيراً من سياسة أمريكا في الشرق الأوسط، وتبقى عيون اللبنانيين شاخصة حول حصة بلادهم من السياسة الخارجية لساكن البيت الأبيض.