في موازاة الاهتزاز السياسي، يستمر الإيقاع الأميركي ضاغطاً في مسار وقف الانهيار الداخلي اجتماعياً، لتأمين الكهرباء مهما كانت الأعذار، من أجل تهدئة الساحة قبل الانتخابات
صرفت أحداث الطيونة وما تبعها من تداعيات سياسية وقضائية، لبعض الوقت، اللبنانيين عن جملة استحقاقات معيشية واقتصادية ومالية يعيشونها منذ أشهر. لكن على رغم فداحة الحدث الأمني وما تبعه من انقسام سياسي حول طلب الاستماع إلى رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وما قد يتركه من تأثيرات داخلية وخارجية، إلا أن انهيار الساحة الداخلية في شكل حاد، لا يزال في صدارة اهتمامات الدوائر الأميركية المعنية بمتابعة الملف اللبناني.
وبحسب المعلومات، فإن الوضع بكل تفرعاته، الاقتصادية والمالية، كان العنصر الأساسي الذي جعل واشنطن ترفع الفيتو تباعاً حول تشكيل الحكومة بعد تعثر لأشهر، ومن ثم مشاركة حزب الله فيها. وهذا الأمر لا يزال يمثل بنداً أول في مقاربة الأميركيين الحالية لـ«طرق معالجة الانهيار الموضعي وليس لإيجاد حلول بعيدة المدى». من هنا جاءت أولى بوادر التدخل الأميركي في اتصالات جرت مع الأردن ومصر لتنتج اتفاقات لبدء تزويد لبنان بما يحتاجه، كهربائياً ونفطياً، في موازاة غض النظر أو «إعطاء الإذن» باستجرار الطاقة عبر سوريا.
تشكل عودة التيار الكهربائي ولو جزئياً، همّا في الديبلوماسية الأميركية المتحركة في لبنان، وقد يكون مستغرباً، للوهلة الأولى، دخول الأميركيين في هذا الملف الحياتي. إذ إن هناك إصراراً على تأمين بين 10 و14 ساعة كهرباء، في شكل ثابت، من الآن وحتى نهاية العام الجاري. هذا الكلام ليس لبنانياً، أو حكومياً، إنما هو كلام أميركي، يدخل في تفاصيل الاهتراء على كافة مستوياته. بالنسبة إلى الأميركيين المعنيين بهذا الملف، والذين باتوا قلقين جداً من التدهور المستمر، تشكل الكهرباء عصباً أساسياً في سحب فتيل التفجير الاجتماعي، خصوصاً في مرحلة الذروة لبنانياً في الحاجة إلى الكهرباء والتدفئة، وما ينعكس عن ارتفاع أسعار المحروقات على كافة المؤسسات التجارية والصناعية والشرائح الاجتماعية. هذه التفاصيل التي تتحدث عن تأثيرات فواتير الكهرباء والمازوت وانعدام الخدمات، ومنها الإنترنت والاتصالات، التي تجعل المؤسسات الرسمية بما في ذلك الأمنية منها، تعاني ضغوطاً متزايدة وتراجعاً في عملها، لا يمكن أن تقف عند حدود مضبوطة. وهي قابلة كي تشكل مادة دسمة لأي تحرك في الشارع يؤدي وسط الاحتدام السياسي والتدهور المالي إلى مواجهات عشوائية، لن يعود أي طرف قادراً على احتوائها. من هنا أتى التدخل الأميركي مع العواصم العربية ومع مسؤولين في لبنان، لوضع خطة عمل سريعة والضغط لتأمين الكهرباء بالحد المتوسط المطلوب. وهذا الضغط لا يزال مستمراً، لأنه في نظرهم سيكون الخطوة الأولى على طريق تجفيف منابع التوتر، إذ يسهم في تخفيف أعباء اللبنانيين بما في ذلك العناصر الأمنيين الذين بات وضعهم الاجتماعي مكشوفاً أمام كل الدوائر الديبلوماسية التي تدرك خطورة تدني رواتبهم. ووفق المطالعة الأميركية، تشكل الحكومة التي تبدو بعد تعطلها، وكأنها في أواخر عهدها وليس في أوله، الغطاء الرسمي اللبناني للتحرك الأميركي، في تواصلها مع الدول العربية المعنية من سوريا إلى مصر والأردن وبغداد، لتأمين ركيزة أساسية لخطة كهربائية متوسطة المدى. على أن تقوم الحكومة والقوى السياسية المعنية مباشرة بملفات موازية في العمل لضبط التدهور في ملفات موازية فلا يقفل ملف ليفتح آخر.
تأمين بين 10 و14 ساعة كهرباء حتى نهاية العام الجاري ليس لبنانياً بل كلام أميركي
يحاول الأميركيون في شكل واضح تأمين جزء من الاستقرار الاجتماعي، بعدما ظهر العجز في فرض الاستقرار عن طريق المؤسسات الرسمية. وهذا يعني اعترافاً ضمنياً أن الهدف الأساسي لإيجاد حلول طويلة الأمد للأزمة اللبنانية ككل، ليس موضوعاً اليوم على جدول أعمال أي عاصمة إقليمية أو دولية. لا بل إن مسار دول الجوار لا يوحي بأن أحداً يطرح حلولاً مستدامة للأزمة الراهنة. لذا تذهب المعالجات إلى تجزئة الملفات ومنها وقف التدهور الاجتماعي والاقتصادي في انتظار أول استحقاق سياسي يتمثل بإجراء الانتخابات النيابية خلال أشهر قليلة. وهو ما تعول عليه واشنطن كي يكون قاعدة أساسية للتغيير في شكله الواسع. على رغم أن الذين يتعاطون في الشأن الانتخابي لا يعولون كثيراً على هذا التغيير المنتظر، هذا إذا لم يتم تطيير الانتخابات. لكن الوجهة الأميركية لا تزال تنظر إلى الانتخابات كاستحقاق لا بد منه، بتوافق مع العواصم الأخرى التي ترعى عادة الشأن اللبناني. وتحاول أن ترمم ما يمكن ترميمه من معالجات اقتصادية، ولو اقتضى الأمر مزيداً من الضغط على دول الجوار للمساعدة. لكنها حتى الآن لا تزال تعتبر أن السعودية خارج هذه الدائرة، في انتظار جلاء موسم الانتخابات.