Site icon IMLebanon

«الشغور» إذ يتمدّد في الزمان.. وفي كلّ مكان

العام الثاني من الشغور الرئاسي ليس كعامه الأوّل وبالضبط لأنه العام الثاني. طوال العام الأوّل من فراغ الموقع الأول في الدولة اللبنانية، كان يمكن أن يُقال إنه «تأخير» في الانتخاب زاد عن حدّه، لكنه يظلّ «تأخيراً» في آخر الأمر، ويقارن بمثيله أواخر العام ألفين وسبعة، رغم الفارق الأساسيّ بين وضوح هوية المرشّح التوافقي آنذاك، وبين الحلقة المفرغة لـ»الكربجة» الترشيحية الحالية وترجمتها التعطيلية لجلسات الانتخاب. 

أما وقد دخلنا في العام الشغوري الثاني، فإن مفردة «تأخير» ما عادت تلائم الوضع. «الشغور الرئاسي» يتحوّل الآن الى ثقافة سياسية متفشية، والدعوات إلى انتخاب الرئيس العتيد ووضع حدّ للشغور باتت أشبه بطقوس وتعاويذ ترسّخ الثقافة السياسية للشغور نفسه. يبدو الأمر كما لو جرى الاستيحاء من نصب «الجندي المجهول» مقاماً في أعلى الدولة لـ»الرئيس المجهول». 

في العام الثاني من الشغور نتعرّف أكثر الى التشابه بين فراغ السدّة، في أعلى منصب في الدولة، وبين انسداد معظم قنوات التداول. فكما أنّ التداول على السلطة، لكن أيضاً تداول الوقائع، وتداول الأفكار، وتداول المصالح، يعطّله الحكم الاستبدادي الفعال والمديد، كذلك يفعل فعله الشغور الى حد كبير، تعطيلاً لكافة أشكال التداول على السلطة، لكنه يتماشى أيضاً مع تفريغ التداول على الوقائع والأخبار والأفكار والخبرات من كل مضمون، وإغراقنا أكثر من ذي قبل في القيل والقال.

والحال أنّ كل تفسير لتمادي الشغور الرئاسي بالعوامل الشخصية والذاتية فقط، او على العكس من ذلك بلعبة الأمم فقط، هو من قبيل القيل والقال. وهذا القيل والقال بدوره، يساهم سواء بتسخيف المسألة الرئاسية بعزلها عن الأزمة الهيكلية للنظام، أو بربطها خبط لصق بالأزمات الكونية، قفزاً فوق الأزمة الهيكلية للنظام اللبناني. 

في زحمة هذا القيل والقال، لم يطوّر أحد في هذا البلد دينامية ضاغطة تعترض سبيل التمادي الزمني في الشغور الرئاسي شهراً بعد شهر، وسنة بعد سنة.

كل التجاذبات والتقاربات والتباعدات التي حدثت منذ بداية الشغور حتى الآن كانت بالأحرى تتعامل معه على أنه «تأخير» سيعالج ولو طال الزمن، وانه يشبه نمط اللبنانيين في عدم مراعاة المواعيد.

لكنها لم تعد فقط مسألة موعد يظلّ يتأجل، هي مسألة «كربجة» مسيحية – مسيحية وإسلامية – إسلامية وإسلامية مسيحية، تزيد يوماً بعد يوم من صعوبة أن يكون لهذا البلد رئيس للجمهورية في أمد منظور، في الوقت نفسه الذي مضت أكثر من ست سنوات على آخر استحقاق انتخابي عرفه البلد، والمفارقة أنها كانت الانتخابات الأكثر تسيّساً في تاريخه، والأكثر اقتراباً من مسألة التداول على السلطة لأن ائتلافين واسعين تبارزا على امتداد الخارطة، بصرف النظر عن تضعضع الائتلاف الاستقلالي نفسه مباشرة بعد فوزه آنذاك. 

من هنا، مفارقة بقايا «النظام اللبناني» المستمرة الى الآن: من جهة، صار يبدو كنظام يعمل «اوتوماتيكياً» لا حاجة فيه لأي استزادة من السلوكيات التصويتية للناخبين، ومن جهة ثانية صار نظاماً يعمل بلا رأس.