IMLebanon

ما بعد غزة ليس في اليد

 

ليس غريباً ما استغربه وانتقده كثيرون، وهو قول وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في بيروت «إن أمن لبنان من أمن إيران». اولاً لأن لبنان في نظر طهران صار لبنان «المقاومة الإسلامية» الدائر في فلكها. وثانياً لأن ما يقوم به «حزب الله» عبر جبهة الجنوب لإسناد «حماس» في حرب غزة، كما على صعيد السلطة في الداخل والدور الإقليمي في سوريا وسواها، هو حماية لنظام الجمهورية الإسلامية ومشروعها كواحدة من مهامه. وحين يتحدث عبد اللهيان عن «تبادل رسائل» مع أميركا و»حل سياسي» في غزة على أمل إنقاذ «حماس» واستمرار الإمساك بالورقة الفلسطينية، فإنه لا يكشف سراً بل يوحي ان الدور في التفاوض على اي تسوية هو لإيران، والدور في الحرب وتقديم التضحيات هو للفصائل المرتبطة بالحرس الثوري. اما الخسائر بالمقاتلين والمدنيين والتهجير والتدمير في 47 قرية جنوبية، فإنها لزوم الصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها. وبهذا المعنى، فإن اللاأمن في لبنان خلال مراحل معينة هو من أمن إيران.

 

ولا مهرب امام اللبنانيين من مواجهة هذا الوضع الخطير والعمل على تغييره. والبداية في العمل الجدي لتغيير المعادلة التي فرضها «حزب الله» وتصرّف كأن التسليم بها قدر لا يُرد: لا بحث في شيء في لبنان بالنسبة الى الجنوب والداخل قبل ان تنتهي حرب غزة. فماذا عن الآراء الداخلية والنصائح الخارجية التي تحذّر من معادلة أخرى: لا شيء بعد حرب غزة كما يتصور أهل القتال وأهل التفاوض؟

 

ذلك أن الممكن والضروري حالياً معروف: إنتخاب رئيس للجمهورية يتولى تأليف حكومة فاعلة تملأ الشغور في المراكز المهمة، والتفاوض على إنسحاب إسرائيل من النقاط محل التحفظ على الخط الأزرق الى الحدود الدولية المعترف بها وتطبيق القرار 1701 على جانبي الحدود، وبالتالي عودة الهدوء الى لبنان وبداية الخروج من هاوية الأزمات. أما بعد حرب غزة، فلا احد يعرف اولاً كيف تنتهي. والممكن والضروري الآن قد يصبح مستحيلاً، لأن القرار سيكون في يد الطرف الرابح إستراتيجياً. والتوقعات، من دون تجاهل الوقائع، غامضة. اذا ربحت «حماس» تدخل المنطقة في مرحلة جديدة. واذا ربحت إسرائيل تدخل المنطقة أيضاً في مرحلة جديدة. واذا كانت النتيجة مزيجاً من الربح والخسارة للطرفين، ازداد الغموض في الأوضاع. وفي كل الأحوال، لا شيء بعد حرب غزة في ايدي الذين خاضوا الحرب بالوكالة. يقال ان من يربط لبنان بحرب غزة من دون ان يعبأ بالإعتراض الداخلي والمواقف الخارجية وتهديدات العدو بحرب شاملة، يستطيع ان يفعل به ما يشاء ويجعله الخط الأمامي في «محور المقاومة». لكن ما حدث على الطريق الى هذا الوضع هو دفع البلد الى اكتمال الفراغ. فراغ يتصور طرف أنه يديره، ويجد طرف آخر نفسه يدور فيه. ومن الوهم الإستمرار في إدارة الفراغ والدوران فيه. فالفراغ ليس الطريق الى بناء وضع جديد بل الى الإنهيار الكامل. الإنهيار على رؤوس الجميع، الأقوياء قبل الضعفاء. أليس قانون الفراغ هو انعدام الوزن؟

 

في مقال نشرته «فورين أفيرز» يقول مستشار الرئيس جو بايدن لشؤون الأمن القومي جايك سوليفان: «لا شيء في سياسات العالم محتوم ويتعذر تجنبه». وليس من المعقول ان يكون الفراغ والإنهيار وربط كل شيء في لبنان بحرب غزة أموراً محتومة يتعذر تجنبها.