من اسوأ ما يمكن تصوره هو رغبة البعض في جعل الشغور الرئاسي قاعدة للوصول الى قصر بعبدا، لاسيما ان لا مجلس نيابيا يعمل بشكل دستوري ولا حكومة قادرة على ان تكون بديلا لرئيس الجمهورية، حيث لكل وزير منها مزاجية سياسية يستحيل العمل بموجبها بشكل واسع، بعدما تطورت امور الحكم الى ما يشبه اللعب على الدستور والقوانين والاعراف، لاسيما ان الرئيس السابق ميشال سليمان عندما تحدث عن المعادلات الخشبية جاء من يتهمه بانه يقصد جميع المعادلات وليس معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي حولها حزب الله الى نتاج وطني ميؤوس منه حيث لا دولة ولا شعب، فيما المقاومة تتصرف وكأنها دولة ضمن دولة؟!
واللافت ايضا ان المسؤولين الذين يتصرفون وكأنهم ورثة سلطة لم يعودوا يرون جسامة الفراغ الرئاسي ونتائجها الوخيمة، مع العلم ان لا بصر ولا بصيرة عند هؤلاء من غير حاجة الى اتهامهم بما هو اسوأ من ذلك. وفي كلام للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، قال في آخر عظة له ان حكام الاسرتين الدولية والعربية يرون شر الحرب المفروضة على فلسطين وسوريا والعراق وسواها، لكنهم يسعون الى وضع حد لها بالطرق الديبلوماسية السلمية، مع العلم انها وصمة عار على جبينهم وجبين هذا الجيل لانها تهدف فقط الى مكاسب سياسية واقتصادية خصوصا لجهة تجارة الاسلحة من دون اي اعتبار للمواطنين الابرياء الذين يذبحون ويقتلون ويهجرون ويبددون كخراف لا راعي لها ولحضارات تاريخية هي ملك البشرية جمعاء تحرق وتهدم وتسرق وتباد لغايات لا بشرية ولا انسانية؟!
ومن اسوأ ما يمكن تصوره هو استمرار النزف البشري في الدول المحيطة بنا، باستثناء دولة اسرائيل التي تعيش في هناء طالما ان احدا لا يحاربها ولا يقاربها الا من خلال البيانات التي لا تعرف نتيجة، خصوصا ان الجميع متفقون على ان كل ما يحدث هو من صنيعة العدو ليس الا، مع العلم ايضا ان لبنان لا يزال محافظا على مقومات الدولة على الرغم مما حاصل في طريقة الحكم الذي يكاد يقضي على الاخضر واليابس من غير حاجة الى حروب داخلية.
وفي السياق عينه، ثمة من يجزم بان الدولة اصبحت في فكر وعقل اكثرية المواطنين وما يعوق قيامها الفعلي في الوقت الحاضر هو عامل واحد لا يمكن ان يستمر الى النهاية وهو وجود حزب الله كدويلة ضمن دولة. والصحيح في هذا المجال ان حزب الله لم يعد حرا في تصرفه، بقدر ما اصبح لعبة في يد النظام الايراني الذي يصدر اوامره للحزب للتنفيذ فقط ان في سوريا او في اي مكان اخر في العالم.
وما يثير التساؤل بالنسبة الى المفاوضات الاميركية – الايرانية فانها وان حققت الغاية المرجوة منها، فان انعكاساتها ستصل الى حد القول ان الاذى الاميركي – الايراني سيصل الى جميع دول الخليج الا اذا كان المقصود منه في الاساس هو ضرب استقرار المنطقة واحداث تغيرات فيها، مثلما هو حاصل في سوريا والعراق واليمن، وهي غايات سياسية لا بد وان تقضي على اخضر المنطقة ويابسه والا لن يكون معنى لترك ايران تلعب في المنطقة على حساب استقرارها وهناءة شعوبها والادلة على ذلك كثيرة في مقدمها ترك اسرائيل تتصرف على هواها ولما فيه مصلحتها الذاتية!
اما القضايا الاخرى ذات الطابع المحلي، فهي مرتبطة بمصير الحكم في لبنان والحكومة التي تضم وزراء من مختلف المشارب السياسية التي تهدف الى تأدية مصالحها الذاتية، بدليل ما يحصل بالنسبة الى الخلافات داخل الحكومة ما يمنعها من ان تؤدي الدور المطلوب منها خصوصا ان سياسة الامر الواقع هي المعمول بها كي لا تضطر الحكومة الى الاستقالة لتزداد الامور سوءا؟!
وفيما تبقى الامور الداخلية عالقة بحسب مزاجية بعض الوزراء، يبقى مجلس النواب من دون عمل حتى بالنسبة الى تشريع الضرورة الذي يتصدر ملفاته قانون الانتخاب والموزانة، من غير ان ننسى سلسلة الرتب والرواتب التي تحولت الى ما يشبه قصة «ابريق الزيت» الذي يتصدر الاهتمام من غير ان يعني ذلك الاهتمام المصيري به، قياسا على مفهوم الدولة لما هو مطلوب قبل ان يتحول الى «مسلوب سياسي، يعرف الجميع مخاطره!
صحيح ان الاشقاء العرب يعانون من ربيع سيئ، لكننا في لبنان نكاد نتخلى عن ربيعنا ولون كلام الكلام في العموميات، حيث لكل طرف مصلحة ونظرة الى الامور الداخلية، وليس من يركز اهتمامه على معالجة نقاط الضعف، بالنسبة الى قضية النازحين التي تكاد تصبح قضية لاجئين وتذكر اللبنانيين بهجرة «الكم شهر» للفلسطينيين التي تحولت الى سنين طويلة؟!
وفي الخلاصة فان خطر استمرار الشغور الرئاسي ليس من جانب واحد حيث شدد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في خلال زيارته الرسمية الى لندن، على اهمية انتخاب رئيس، كي لا يتأثر عمل السلطات في لبنان حيث المخاوف ستكون اكبر واشمل من كل ما عداها، لان الشعب بدأ يتناول من خلال نقد مذهبي موضوع الفراغ الرئاسي، لاسيما ان حزب الله يماشي رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون في نظرته الى استخدام النصاب لعدم عقد اية جلسة انتخابية في موعدها؟!