لا نصاب كالعادة في الموعد التاسع عشر لجلسة انتخاب رئيس ولا بد من الاستمرار في تحديد المواعيد، وان صارت فصول التراجيديا الرئاسية أكثر عبثية من مسرح العبث. إذ في مسرحية في انتظار غودو يأتي من يقول ان سيده المنتظر لم يتمكن من المجيء اليوم لكنه سيأتي غداً. أما في فصول الواقع الرئاسي، فاننا نعرف سلفاً ان سيناريو المقاطعة سيتكرر، ولا أحد يأتي ليقول، ولو من باب بيع الآمال الوهمية، ان النصاب سيكتمل في الجلسة المقبلة.
ولا فائدة من التذكير بأن الطريق المختصر للخروج من الدوران في أزمة الآلية هو انتخاب رئيس للجمهورية. فالمشكلة تتجاوز آلية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء الى كون آلة الحكم معطّلة. والخلل الذي قاد الى الشغور الرئاسي ليس في قواعد اللعبة الديمقراطية البرلمانية بل في تعطيل القواعد، وليس في الدستور والنظام بل في ادارة الاستحقاق الرئاسي بشروط اللعبة الاقليمية والدولية وظروفها وحسابات الصراع الجيوسياسي بين المحاور.
ذلك ان من الوهم التصرّف كأن الشغور الرئاسي حادث عارض في مسار الجمهورية. إذ هو تكرّر مراراً في الجمهوريتين الأولى والثانية من دون أن تكون الظروف متشابهة. فالشغور الذي حددث للمرة الأولى باستقالة الرئيس بشارة الخوري تحت ضغط الثورة البيضاء لم يدم سوى ايام قليلة قبل انتخاب الرئيس كميل شمعون. وحين اغتيل الرئيس المنتخب بشير الجميل كان الرئيس الياس سركيس لا يزال في القصر، ولم يتأخر انتخاب الرئيس أمين الجميل. والشغور الذي حدث باغتيال الرئيس رينه معوض خرجنا منه سريعاً بانتخاب الرئيس الياس الهراوي.
لكن الشغور الذي طال تكرر ثلاث مرات: الأولى بعد انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل ودام نحو عامين من المعارك ضمن حرب لبنان حتى جاء اتفاق الطائف وانتخاب الرئيس معوض ثم الرئيس الهراوي. والثانية في نهاية عهد الرئيس اميل لحود ودام ستة اشهر حتى وقعت أحداث ٧ إيار وقادت الى اتفاق الدوحة ثم انتخاب الرئيس ميشال سليمان. والثالثة هي الحالية في نهاية عهد الرئيس سليمان حيث دخل الشغور الشهر العاشر. ولا أحد يعرف أي حدث ننتظره لكي يتقرر تحت ضغطه انتخاب رئيس.
لكن السؤال هو: هل نحن على الطريق الى نهاية الجمهورية كما عرفناها، قبل الطائف وبعده، سواء طال الشغور أو جرى انتخاب رئيس؟ وأين يتقرر مصير لبنان: هنا أم في المنطقة؟ الجواب صعب، وإن بدا سهلاً. فالتحولات تضع المنطقة كما عرفناها على طريق النهاية. ومن يتصور أنه اللاعب الكبير هو الواهم الكبير.