يكتنف الغموض مصير المرحلة السياسية المقبلة على مستوى مؤسّستي مجلس الوزراء ومجلس النواب، في ظل تصاعد الخطاب الطائفي والمذهبي، وتبعات الإنقسام الحاد على باقي المؤسّسات الرسمية، وتحديداً الأمنية، كما هو واقع الحال في جهاز أمن الدولة. وقد اعتبرت مصادر نيابية مطلعة أن احتدام الخلاف حول واقع هذا الجهاز واتخاذه منحى خطيراً في الأسابيع الماضية، ينذر بالإطاحة بآخر المؤسّسات الرسمية التي ما تزال تعمل منذ الشغور الرئاسي، خاصة وأن هذا الخلاف وصل إلى مرحلة متقدمة من الكباش السياسي بين قوى فاعلة على الساحة الداخلية، وارتبط بالتالي بأكثر من ملف يشكّل أساساً لتوسيع رقعة الإنقسام بين القوى السياسية. واعتبرت هذه المصادر، أن انتفاضة المكوّنات المسيحية داخل وخارج الحكومة على طريقة مقاربة ملف جهاز أمن الدولة، لا تعود فقط إلى الأزمة التي يمرّ بها الجهاز، بل إلى هواجس متنامية في الأوساط المسيحية والمارونية على السواء، من مجريات الأداء من قبل شركائهم في الوطن، مع العناوين الأساسية، حيث لمست اتجاهاً خفياً نحو الإقصاء والتحجيم. وأكدت المصادر النيابية نفسها، أن الإنفتاح المسيحي تام على كل المكوّنات السياسية والطائفية الداخلية، بينما في المقابل، يسجّل أكثر من طرف مسيحي عملية تهميش واضحة للدور المسيحي في مؤسّسات الدولة الإدارية والأمنية، وهي لم تبرز إلى سطح السجالات إلا في المرحلة التي تلت التوافق المسيحي ـ المسيحي، وانخراط الغالبية في التوافق الذي أنتجه «لقاء معراب» بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر».
من جهة أخرى، لاحظت المصادر النيابية المطّلعة، أن غياب أي صيغة للإتفاق السياسي الداخلي حول الإستحقاق الرئاسي بعد عامين تقريباً على بدء الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، هي جوهر كل الخلاف الناشئ اليوم داخل فريق 8 آذار، كما بين هذا الفريق وفريق 14 آذار، وإن كانت خارطة الإصطفافات والتحالفات قد تبدّلت منذ مبادرة الرئيس سعد الحريري بدعم ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة الأولى، وبعد دعم الدكتور سمير جعجع لترشيح العماد عون. وقالت المصادر النيابية عينها، أن اللعبة باتت مفتوحة اليوم بين داعمي المرشحين من الكتل النيابية، وهي ترتدي أحياناً طابع الخلاف الطائفي، ولكنها سياسية مئة في المئة.
وقد بات اليوم المرشّحان العماد عون والنائب فرنجية وجهاً لوجه في السباق الرئاسي، فيما انقلبت التحالفات رأساً على عقب، كما أضافت المصادر نفسها، وبقيت العقدة ذاتها التي برزت منذ جلسة الإنتخاب الرئاسية الأولى، وهي تأمين النصاب القانوني اللازم لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وأوضحت أن مبادرتي الحريري وجعجع، قد دفعتا وبشكل غير مباشر إلى دفع الإستحقاق الرئاسي نحو المراوحة مجدّداً، علماً أن الطرفين يؤكدان إصرارهما المطلق على وجوب حصول الإنتخابات الرئاسية، وأن كل المبادرات المتّخذة تهدف إلى تسريع الإنتخابات وليس إلى تجميدها.
من هنا، فإن أزمة النصاب ما زالت مستمرة منذ أيار الماضي إلى اليوم، كون اكتمال عدد النواب في البرلمان لإجراء الإنتخابات بات مرهوناً بتسوية وطنية شاملة، وليس بأي عامل آخر كالإتفاق المسيحي على مرشّح أو التوافق السعودي ـ الإيراني، أو حتى التسوية السياسية في سوريا، كما كشفت المصادر النيابية نفسها، والتي خلصت إلى أن الخروج من مستنقع الفراغ الرئاسي والخلاف الطائفي يبدأ بالمقاربات الصحيحة لكل العناوين الخلافية بدءاً من مجلس الوزراء وصولاً إلى مجلس النواب حيث من المفترض انتخاب الرئيس ثم فتح ورشة تعديلات قانونية وإقرار قانون جديد للإنتخاب.