قبل إعلان «جدول أعمال الضرورة» للجلسة التشريعية التي يعمل رئيس المجلس نبيه بري لانعقادها، أعلنت بعض الكتل النيابية مقاطعة الجلسة لأنها لن تقتصر على «ما هو ضروري»، وترافق ذلك مع «البلاغ رقم 2»، الذي جاء على لسان أحد النواب من تلك الكتل المقاطعة، رأى فيه أن «إمكان حل مجلس النواب، إذا لم يلتئم في جلسة قبل نهاية الدورة العادية الأولى في آخر أيار المقبل، متعذر قبل انتخاب رئيس جديد»، فكيف تمكن مقاربة هذه الرؤية؟
الجدير ذكره، أولاً، ان إمكان حل المجلس بعد انتخاب الرئيس، واستناداً إلى السبب المطروح اليوم، هو المستحيل، لأن المجلس يكون قد اجتمع وبالتالي قد سقط سبب الحل المبني على عدم انعقاد المجلس في دورة عادية.
نصت المادة 62 ـ دستور على التالي: «في حال خلو سدة الرئاسة، لأي علة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء». وهذا النص جاء في متن الدستور منذ صدوره في 23 أيار 1926 وتعدل في 21/9/1990 لجهة استبدال «السلطة الإجرائية» بـ «صلاحيات رئيس الجمهورية»، فجاء كالتالي «في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط السلطة الإجرائية وكالة بمجلس الوزراء». ويبدو واضحاً أن هذا التعديل جاء مبنياً على المادة 17 ـ دستور التي كانت عند صدور الدستور وحتى تعديلات 1990 «تنيط السلطة الإجرائية برئيس الجمهورية». وفي تعديل 1990 أصبحت السلطة الإجرائية «منوطة بمجلس الوزراء».
انطلاقاً من المقاربات بين نصي المادة 62 (قبل تعديلها وبعده) وارتباطها الوثيق بالمادة 17 (قبل تعديلها وبعده)، يظهر جلياً أن نص المادة 62 النافذ الإجراء عندما يوكل لمجلس الوزراء ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، يعني وكالة هذا المجلس عن الرئيس ممارسة كل ما تبقى له من صلاحيات ترتبط بالسلطة الإجرائية باعتبار أن تعديل المادة 62، كما يتبين من مقاربتها مع نصها الأساسي، ما كان ليحصل لو لم تتعدّل المادة 17 لجهة إناطتها السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء بدل رئيس الجمهورية، فهذه السلطة أصبحت منوطة بمجلس الوزراء من دون «توكيل». فما الفائدة إذاً من الوكالة عن رئيس الجمهورية المنصوص عنه في المادة 62؟ واستطراداً ما هي صلاحيات السلطة الإجرائية الموكولة عنه وتكون خارجة عن صلاحيات تلك السلطة إذا لم تكن المرتبطة بالصلاحيات الرئاسية التي تحدّ من إمكان ممارسة مجلس الوزراء لسلطته الإجرائية كاملة؟
وصلاحية رئيس الجمهورية بحل مجلس النواب ليست تقريرية حاسمة، فهي أقرب إلى «النصيحة»، بدليل أن المادة 55 التي تحكم آلية الحل تنص على أنه «يعود لرئيس الجمهورية في الحالات المنصوص عنها في المادتين 65 و77 من الدستور الطلب إلى مجلس الوزراء حل مجلس النواب… فإذا قرّر مجلس الوزراء بناء على ذلك حل المجلس يصدر رئيس الجمهورية مرسوم الحل…». وبهذا يمكن، أو يجب تفسير ما جاء في المادة 65 لجهة ذكر حلّ المجلس في صلاحيات مجلس الوزراء، بصرف النظر عن اشتراط ذلك أن يكون الحل مبنياً على طلب رئيس الجمهورية. والمادة 55 أولت مجلس الوزراء صلاحية تقريرية للحل أو رفض الحلّ لنصها على التالي إذا طلب الرئيس الحل: «فإذا قرر مجلس الوزراء بناء على ذلك حلّ المجلس يصدر رئيس الجمهورية مرسوم الحل».
ومن هنا يتبين أن شمول توكيل مجلس الوزراء صلاحيات الرئيس (المادة 62) ليست مستغربة، فهي عملية إجرائية شكلية لا ترتبط بصلاحية كاملة لكونها مجرد إشعار بتوافر سبب من الأسباب الثلاثة التي يمكن على أساسها حلّ المجلس. ولعل أقصى ما يمكن للرئيس أن يمارسه في إطار الحل ما جاء في الحالة الثالثة المنصوص عنها في المادة 77 ـ دستور التي أولت لرئيس الجمهورية «إما إجابة المجلس إلى رغبته في اقتراحه التعديل الدستوري عندما يقره بأكثرية 4/3 أعضائه واما الطلب من مجلس الوزراء حله…».
لهذه الأسباب وغيرها، خصوصاً لجهة وحدانية «السلطان»، يتبين أن الوكالة بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية في حال خلو سدة الرئاسة لا يمكن أن تصنّف بأنها صلاحية خاصة بالرئيس ذاته وذاتية لا تشملها وكالة التوكيل، وبالتالي فإن مجلس الوزراء يمكنه حل المجلس بعد 30 أيار المقبل إذا لم يعقد جلسة قبل انتهاء الدورة العادية الحالية. فهو يطلب الحل بنفسه، فإذا وافق على ذلك بأكثرية الثلثين من أعضاء الحكومة المحدّد في مرسوم تشكيلها عملاً بالفقرة الخامسة من المادة 65 تصبح الانتخابات على الأبواب فتحصل خلال ثلاثة أشهر من نشر «قرار الحل».