العام الماضي، ما قبل زمن «كورونا»، استورد لبنان 200 ألف من لقاحات الإنفلونزا الموسمية لم تُستهلك كلها، إذ لم تلقَ طلباً كبيراً، وبقي جزء منها مخزّناً حتى فقد صلاحيته. وهذا، أحياناً، ما كان يحدث موسماً بعد آخر، على عكس الموسم الحالي الذي فاق كل التوقعات، إذ كان لهذا العام خصوصيته التي جعلت الإقبال على اللقاحات خارج توقّعات وزارة الصحة والصيادلة والأطباء.
لم يكن هذا الموسم كغيره، إذ ترافق مع ظهور فيروس كورونا وانتشاره وتشابه العوارض في ما بينه وبين الإنفلونزا الموسمية. ومع انفلاشه، بدأت الدعوات، من وزير الصحة حمد حسن وغيره، في وقتٍ مبكر لحث المواطنين، وخصوصاً كبار السن، على تلقي لقاحات الإنفلونزا الموسمية بما يقلّل من خطورة العوارض في محاولة لتخفيف العبء عن المستشفيات. لكن ما لم يكن في الحسبان أن تبثّ تلك الدعوات الذعر في نفوس الناس الذين هبّوا دفعة واحدة مع بداية الموسم لحجز اللقاحات.
هكذا، فاقت الطلبات كمية العروضات. ففي وقت الذي كان لبنان يتلقى، عبر إحدى الشركات المستوردة، حوالى 85 ألف لقاحٍ كدفعة أولى، كانت الطلبات تتخطّى عتبة المئة ألف. وفي وقت كانت «تعليمات» وزارة الصحة تنصّ على من يحق لهم تلقي اللقاح، وهم في غالبيتهم من كبار السن وصغارهم وأصحاب الأمراض المزمنة، كانت الصيدليات تواجه مأزقين: التهافت على اللقاحات والكميات المحدودة. في الشق الأول، أعطت وزارة الصحة ونقابة الصيادلة ضوءاً أخضر للصيادلة لأخذ المبادرة وتقدير من له الحق بأخذ اللقاحات سنداً إلى القرارات والتعاميم. ولكن، في الشق الآخر، شكا كثيرون من الصيادلة من الكميات المحدودة من اللقاحات التي كانت تُعطى لهم، إذ راوحت الـ«كوتا» لكل صيدلية من لقاحات الدفعة الأولى بين 8 و10 لقاحات. نقيب الصيادلة، غسان الأمين، برّر هذه الحسبة بأن الكمية التي وصلت كان مرصوداً منها للصيدليات 45 ألف لقاح، مقابل 40 ألفاً للمستشفيات، من هنا «قد يواجه الصيدلي إرباكاً في هذا الموضوع». ولكن، بحسب الأمين، يمكن تفادي هذا الأمر بترتيب الأولويات بحسب قرارات وزارة الصحة، أي إعطاء من هم بحاجة إلى لقاح».
أزمة هذا العام، أن «الكل بدهم لقاحات». ولئن كان الأمر مفهوماً، في ظل الخوف من مضاعفات فيروس كورونا مع الإنفلونزا الموسمية، إلا أنه «لا يمكن تلبية كل هذا الطلب»، كما يؤكد الأمين، لأسباب منها وصول اللقاحات «على دفعات». وقد وصلت إلى الآن دفعتان: الأولى سُلّمت إلى الصيدليات والمستشفيات، والثانية التي تضم 80 ألف لقاح «على طريق التوزيع». وثمة دفعة ثالثة تبلغ حوالى 300 ألف لقاح، إلا أن «المعاملة لم تُوقع بعد في مصرف لبنان». وفيما لو وُقّعت قريباً، فـ«لن يطول الأمر أكثر من 15 يوماً كي تصبح هنا». إذن، عبور هذه الدفعة مرهون بإجراءات مصرف لبنان. وهنا، المشكلة خصوصاً أن الكثير من المعاملات تمكث هناك طويلاً قبل الإفراج عنها. وهنا، يأمل الصيادلة ألا تبيت معاملة اللقاحات في المركزي، كي لا يوضعوا في مواجهة مع الناس.
160 ألف لقاحٍ وصلت حتى الآن إلى لبنان، فيما تنتظر وزارة الصحة الدفعة الثالثة، وهي الأكبر، في غضون أسبوعين… في حال أفرج عنها المركزي. لكن، برغم هذه الكميات، «ليس المطلوب تلقيح الجميع»، وفق وزارة الصحة، بل اعتماد مبدأ «الأولويات»، خوفاً من مجهولٍ آخر قد يقود إليه تصادم موسم الإنفلونزا مع زمن الكورونا.