ليست أزمة البلد منحصرة بالفراغ الرئاسي وحسب، بل هي معضلة شغور تؤسّس لانهيار مؤسسات الدولة التي تتحلّل بفعل سوء الإدارة السياسية. في عزّ الوئام السياسي، عجزت القوى الحكومية عن الاتفاق على ملء المناصب التي يعود الشغور في بعضها الى عام 2010. والمرجّح تسجيل مزيد من الفراغات في مواقع مهمة وحسّاسة مع استمرار الإخفاق في انتخاب رئيس للجمهورية، وتأليف حكومة وإقرار التعيينات، وفي ظل بلوغ الانقسام السياسي والطائفي ذروته.
ليس في لبنان اليوم أبرز من الحديث عن انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان. هي لحظة نادرة في بلد يعني فيه رياض سلامة ترجمة مختصرة لعالم المال والمصارف والنقد والسيولة والدولار والليرة والهندسات والمصارف. وهو عالم فصّله على قياسه وقياس شركائه السياسيين. وخروجه من الحاكمية يُعد سابقة، بعدما سيطر خلال ثلاثين عاماً على باب المغارة حامياً ما يفوق الأربعين «حرامياً» بكثير، فكانَ حارساً أميناً على صندوق أسرارهم المالية والمصرفية. ولأن سلامة كذلك يشكل غيابه عن منصبه بعد طول هذه الفترة الحدث الذي ينشغل به الجميع.
لكن بعيداً عن سلامة والحاكمية، هناك شواغر في مناصب يعود بعضها الى عام 2010، وأخرى ينتظرها الشغور هذا العام، وهو واقع سيتحول معه لبنان إلى دولة عاطلة من العمل، من رأس الهرم إلى باقي المفاصل. فالفراغ، وعلى عكس ما يختصره كثيرون برئاسة الجمهورية، بل بات يهدد مواقع حساسة تقف على تماس يومي مع مصالح الناس، كقيادة الجيش ومؤسسة قوى الأمن الداخلي والنيابة العامة التمييزية. وهي لا تخصّ حصص طائفة بعينها بل تشمل كل الطوائف، بعدما لامس عدد المواقع الشاغرة أو التي ستشغر قريباً حوالي 100، موزّعة بحسب التوزيع الطائفي كالتالي:
الطائفة الشيعية
من المتوقّع أن يشغر في تموز 2024 موقع المدير العام للمجلس الأعلى للجمارك، بعد تقاعد العميد أسعد الطفيلي. وقد سبق الشغور أن طاول مواقع أخرى بينها:
– المدير العام لمجلس الجنوب جراء تقاعد هاشم حيدر.
– المدير العام للأمن العام بعد تقاعد اللواء عباس إبراهيم (أيار 2023) وتكليف العميد الياس البيسري مكانه.
– المدير العام للإدارة في الجيش بعد إحالة اللواء الركن مالك شمص على التقاعد (شباط 2023).
– المدير العام للشباب والرياضة مع بلوغ زيد خيامي سن التقاعد (كانون الأول 2023).
– المدير العام للمغتربين بعد تقاعد هيثم جمعة (تشرين الأول 2017).
– رئاسة مجلس الجنوب التي استقال منها قبلان قبلان (كانون الأول 2022) للترشح للانتخابات النيابية بعدَ شغله المنصب منذ أكثر من عقدين.
– محافظ النبطية، بعدَ إحالة القاضي محمود المولى (تموز 2020) وتكليف حسن محمود فقيه بتسيير أعمال المحافظة.
– المدير العام للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه الشاغر منذ عام 2018، بعدَ استقالة غسان بيضون بسبب مشاكل مع الوزير السابق سيزار أبي خليل ويشغل مكانه أحمد الموسوي بالوكالة.
الطائفة السنية
يُتوقّع في حال بقاء الوضع السياسي في البلد على ما هو عليه، أن يطاول الفراغ منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي بعد إحالة اللواء عماد عثمان إلى التقاعد (أيار 2024)، والمدير العام لـ«هيئة أوجيرو» عماد كريدية (تشرين الأول 2024)، ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات (شباط 2024).
وفيما لن تحمل سنة 2023 شغوراً في أي من المناصب التابعة للطائفة السنية، إلا أن هناك عدداً منها لا يزال شاغراً منذ أكثر من 10 سنوات مثل:
– المدير العام للطيران المدني (كانون الأول 2010، ويديره بالإنابة فادي الحسن).
– المدير العام للنقل البري والبحري (شباط 2021) بعد توقيف عبد الحفيظ القيسي في قضية تفجير مرفأ بيروت وتكليف أحمد تامر المدير العام لمرفأ طرابلس بتولّي مهامه مؤقتاً.
– المدير العام للسياحة مع إحالة ندى السردوك إلى التقاعد (حزيران 2019) وتولّي رئيس مصلحة الضابطة السياحية منذر ذبيان المركز بالإنابة كونه الأعلى درجة إلى حين تعيين مدير أصيل.
– مدير عام رئيس فرع الشؤون الفنية في رئاسة الحكومة (شاغر منذ 2019).
-رئيس مجلس الإنماء والإعمار (انتهت ولاية المجلس عام 2009، ويستمر في أداء مهماته).
– المدير العام للتعليم العالي (شاغر منذ تشرين الأول 2019).
الطائفة الدرزية
تتقدم أزمة الشغور في موقع رئيس الأركان في الجيش (جراء إحالة اللواء أمين العرم إلى التقاعد في كانون الأول 2022، بلا تعيين خلف له) على غيرها من الفراغات في مناصب أخرى تتبع للطائفة الدرزية، كونه موقعاً حساساً، إذ يتولّى رئيس الأركان مهام قائد الجيش، ولأن الشغور في هذا المنصب في حال عدم تعيين بديل عن قائد الجيش بعد إحالته إلى التقاعد سيولّد أزمة كبيرة داخل المؤسسة. وللدروز أيضاً مواقع شاغرة منذ سنوات منها:
– قائد الشرطة القضائية (بعد إحالة العميد ماهر الحلبي إلى التقاعد في تشرين الثاني 2022)، وتكليف العقيد زياد قائد بيه بمهام قائد الشرطة القضائية بضغط من النائب السابق وليد جنبلاط، على أن ينتهي هذا التكليف مع إجراء تعيينات جديدة.
– المدير العام للصحة (شاغر منذ حزيران 2020 بعد بلوغ الدكتور وليد عمار سن التقاعد). وبسبب الخلافات بين المكوّنات الحكومية على اسم جديد لتولي هذا المنصب، كلّف وزير الصحة العامة رئيس الديوان في الوزارة فادي سنان (من الطائفة الشيعية) بتولي المهام.
– يُتوقّع أن يطاول الشغور منصب المدير العام لتعاونية موظفي الدولة في 16 كانون الأول 2024، في حال لم يجرِ تعيين بديل.
هناك شواغر في مناصب يعود بعضها الى عام 2010 وأخرى ينتظرها الشغور هذا العام
الطائفة المارونية
يُرتقب وقوع الشغور في 4 مراكز خاصة بالطائفة المارونية، وهي حاكمية المصرف (نهاية الشهر الجاري)، قيادة الجيش ( كانون الثاني 2024)، المديرية العامة للأحوال الشخصية (نيسان 2024) وقيادة الدرك (أيلول 2024). بينما طاول الشغور عدة مواقع أخرى سابقاً من بينها:
– المدير العام للنفط في وزارة الطاقة والمياه (بعدَ إحالة أورور فغالي إلى التقاعد في كانون الأول 2022).
– المدير العام للموارد المائية والكهربائية في وزارة الطاقة والمياه (بعدَ استقالة فادي قمير في حزيران 2021).
– المدير العام لوزارة المالية (بعد استقالة آلان بيفاني في حزيران 2020 بعد عشرين عاماً قضاها مديراً عاماً للوزارة).
– رئيس اللجنة الوزارية للمشروع الأخضر (شاغر منذ 2015).
– المدير العام لمؤسسة المحفوظات الوطنية (شاغر منذ عام 2010 وآخر من شغل المنصب هو الراحل فؤاد عبيد).
– المدير العام للمؤسسة الوطنية للاستخدام (شاغر منذ أيار 2019 حيث لم يُعيّن أحد مكان المدير السابق جان أبو فاضل).
الروم الأرثوذكس
لدى طائفة الأرثوذكس حوالي 8 مراكز شاغرة من بينها:
– المدير العام لوزارة العمل (شاغر منذ تشرين الثاني 2019 وتشغل المنصب بالوكالة مارلين عطالله).
– رئيس المركز التربوي للبحوث والإنماء (2014).
– المفتش العام في الجيش اللبناني (كانون الأول 2023). فبعد إحالة المفتش العام اللواء الركن ميلاد إسحق إلى التقاعد، رفض وزير الدفاع موريس سليم تعيين أقدم ضابط أرثوذكسي رتبة لهذا الموقع وهو العميد الركن جرجس ملحم، ما أثار مشكلة مع الطائفة الأرثوذكسية التي اعترضت على الأمر.
الروم الكاثوليك
من بين المواقع الشاغرة التابعة لطائفة الروم الكاثوليك:
– المدير العام لوزارة الأشغال (شاغر منذ تشرين الثاني 2010، ويديره حالياً بالتكليف المهندس طانيوس بولس).
– المدير العام لفرع الأمانة العامة في رئاسة الجمهورية (شاغر منذ شباط 2019).
– رئيس الفرع الفني في رئاسة الجمهورية (شاغر منذ عام 2014).
– المدير العام لتلفزيون لبنان.
الأرمن والأقليات
– رئيس الهيئة الناظمة للاتصالات (شاغر منذ 2010 وكان يشغله الدكتور كمال شحادة)، ويوجد حوله اليوم خلاف حيث يجري نقاش في إمكانية أن يصير الموقع من حصة الموارنة.
– المدير العام للإحصاء المركزي (حزيران 2022).
– المدير العام للتنظيم المدني (شغله في البداية سعد خالد من الطائفة السنية، ثم جوزف عبد الأحد من الأقليات، وبعدهما الياس الطويل من الطائفة المارونية، ولا يزال حتى اليوم غير محسوم من حصة أي طائفة سيكون في التعيينات الجديدة).
القضاء … خواء تام
لم يسلم الجسم القضائي من التحلّل والفراغ. هذا الجسم المريض بالطائفية والسياسة منذ سنوات كثيرة كانَ يكفيه الأحداث التي توالت منذ عام 2019، وتحديداً انفجار مرفأ بيروت حتى يضربه الشلل التام. فإلى جانب التعيينات القضائية التي يرفض رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود البت فيها وتحديداً في الهيئة العامة لمحكمة التمييز، فإن عدداً من المناصب (حوالي 12) ضربها الشغور أو تسير نحوه خلال العام الحالي مع انتهاء ولاية كل من:
– قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا (تشرين الثاني 2023).
-رئيس محكمة الجنايات في بيروت سامي صدقي (أيلول 2023).
– أحيل على التقاعد رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي بركان سعد (تموز 2022)، ورئيس محكمة الجنايات في جبل لبنان عبد الرحيم حمود (تشرين الأول 2022)، وقاضي التحقيق الأول في النبطية محمد بري (نيسان 2023). وأول من أمس أحيل إلى التقاعد المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان، كما تحال في 12 تموز الجاري المحامية العامة التمييزية القاضية جوسلين تابت على التقاعد.
– تقدّم عدد من القضاء باستقالاتهم من الجسم القضائي، أو طالبوا بسنة استيداع للقيام بأعمال في مؤسسات أخرى داخل وخارج لبنان لمعالجة الخلل في رواتبهم الشهرية.