منذ عام 1989 بعد اقرار اتفاق الطائف المشؤوم لم تعد رئاسة الجمهورية للمسيحيين ولم يعد رئيس الجمهورية مارونياً، ولم يعد قصر بعبدا قصر رئاسة، ولم يعد قصر الرئاسة للرئاسة، بل اصبح هنالك امبراطورية رئاسة مجلس النواب وامبراطورية رئاسة مجلس الوزراء.
اما الامبراطورية الاكبر فهي امبراطورية رئاسة مجلس الوزراء لأنها امتلكت كل الصلاحيات وعشرات المؤسسات التي تديرها. صحيحٌ ان السلطة هي بيد مجلس الوزراء مجتمعاً لكن لا نظام داخلياً لمجلس الوزراء ولا قيمة لنائب رئيس مجلس الوزراء حتى ليس له مكان في الدستور او له مكان بمكتب في السراي والحكومة تستقيل عندما يستقيل رئيسها وهو الناطق الرسمي باسمها. وكيف تكون السلطة في مجلس الوزراء مجتمعاً طالما ان قانون الانتخاب المسؤول عن تكوين السلطة التشريعية ومن بعدها التنفيذية هو قرار اعوج.
لا نلوم الرئيس بري على امبراطورية مجلس النواب لأن قوانين الانتخابات النيابية التي تم تطبيقها هي عوجاء لا ينبثق منها تمثيل حقيقي للشعب اللبناني، لكن ان يقول الرئيس بري انه كان باستطاعته دعوة مجلس النواب للتشريع لمعرفته باكتمال النصاب لكنه لم يفعل ذلك من اجل الموارنة، فهل نسي الرئيس بري انه طوال سنتين لدى اغلاق مجلس النواب وقيام الخيم في ساحة مجلس النواب وسوليدير كان التيار الوطني الحر يقيم خيمه متضامنا معه لمدة سنتين، فهل يمكن القول انه لم تحصل الدعوة لمجلس النواب مسايرة للموارنة بعدما قاموا بتسليفه لمدة سنتين اغلاق المجلس والجلوس في الخيم في ساحات بيروت.
بعد الطائف لم يعد هنالك الا رئيس صفته مارونية لا صلاحية له، يجلس في قصر بعبدا وينفذ المراسيم الالزامية خلال 15 يوماً من احالتها اليه من الحكومة، اما رئيس المجلس النيابي، ورئيس مجلس الوزراء، والوزراء فيحق لهم ابقاء المراسيم في ادراجهم الى وقت من دون اجل، والدستور لا يلزمهم بمدة زمنية.
رئيس الجمهورية بعد الطائف اصبح للمواعيد في بعبدا، اصبح للتشاور اصبح مركزاً استشارياً، لا سلطات لديه، ويمكن ان يقاطعه اي مسؤول او نائب او وزير او موظف في الدولة، خاصة موظف في الدولة، ولا يستطيع رئيس الجمهورية محاسبته، ان انعقد مجلس الوزراء وحضر رئيس الجمهورية ترأس الجلسة والا فلا مكان له. والدستور ينص على ان رئيس الجمهورية يرأس جلسات مجلس الوزراء.
ناضل اجداد الموارنة واجداد المسيحيين طوال مئات السنين ضد المماليك والعثمانيين وما تنازلوا عن سلطاتهم وبقوا متمردين في الجبال يرفضون ان يكونوا تحت سلطة احد فإذا بمن وافق على الطائف خاصة من المسيحيين يتنازل عن تضحيات ودماء وعرق جبين الذين ناضلوا من اجل ان يبقى المسيحيون في لبنان في مركز الريادة وفي صلب القرار.
الفراغ افضل من انتخاب رئيس يكون صورة في قصر بعبدا، والطائف نصه سيىء وتطبيقه اسوأ وما كنا نقول هذا الكلام لو انه تم الغاء الطائفية السياسية كلها او اننا ذهبنا الى مجتمع مدني، حيث الكفاءة والمواطنة هما الاساس لكن الذي حصل انه بواسطة الطائف اغتصبت الاقطاعيات والميليشيات والعشائريات والمذهبيات والطائفية الدولة اللبنانية من اصغر رتبة الى اعلى رتبة وباتت الدولة فيدرالية طوائف، لبنان ليس وطناً بل فيدرالية طوائف. وكيف يمكن ان يكون هنالك ديمقراطية اذا كانت التعددية الوفاقية هي الاساس، التوافق هو عكس الديمقراطية والديمقراطية عكس التوافق لان التصويت لا يعود ذا قيمة ولا يعود هنالك اكثرية واقلية، وطالما ليس هنالك اكثرية واقلية فليس هنالك موالاة ومعارضة ولا تستقيم الامور في البلاد الا اذا كان لدينا قانون انتخاب يفرز اكثرية واقلية على قاعدة غير طائفية وعندها تتألف الحكومات على قاعدة الاكثرية وتعارضها الاقلية، شرط اعادة صلاحيات رئيس الجمهورية التي سرقوها بمخطط اميركي ـ سعودي واشرف على التنفيذ بشكل سيىء الدور السوري في زمن الوصاية السورية على لبنان.
ان لبنان لن يصبح وطناً الا اذا تكرست المواطنة وتحولنا الى مجتمع مدني واصبحت الكفاءة والجدارة هما الاساس، وليست التبعية للاقطاعية والميليشيات وزعامات المذاهب والطائفية هي الاساس لذلك. نحن نعيش في فيدرالية غير معلنة لكن هذه الفيدرالية سيئة والافضل تطويرها اذا كانوا يريدون السير في هذا المنحى الفيدرالي الى فيدرالية منظمة تتوزع على المذاهب والطوائف، واذ ذاك لا يكذب احد على احد ويتكلم بالمصلحة الوطنية العليا فيما هو يمارس الطائفية والمذهبية والاقطاعية.
لن يستقيم لبنان ما لم يتم تعديل الطائف واعادة صلاحيات رئيس الجمهورية والا فالفراغ افضل ولتبقَ سدة الرئاسة المارونية في فراغ ولتحكم بقية الطوائف لبنان الى ان يلمس الجميع مساوئ الطائفية وضرورة وجود رئيس للدولة له صلاحـيات حقيقية، بدل ان يكـون صورة او منظراً في قـصر بعـبدا.
نحن في «الديار» عاهدنا انفسنا منذ اليوم الاول على معارضة الطائف وما زلنا، والسبب هو انه لم يتجه نحو مجتمع مدني والغاء الطائفية السياسية والغى صلاحيات رئيس الجمهورية ولن نحيد عن رفضنا للطائف حتى لو كان صاحب الرفض الاساسي له العماد ميشال عون قد مشى بالطائف وترشح على اساسه. انما نحن ندرك ان الطائف الى زوال وهنالك دستور جديد سيولد من ازمة كبيرة في لبنان الا وهي ازمة النظام الحالي واستحالة انتخاب رئيس جمهورية.