المُضحك المُبكي أنه لم يعد لدى اللبنانيّين ما يمكن أن يضحكهم، كما لم يعد أي نوع من الأزمات والحروب والغزوات يستطيع أن يبكيهم.
لقد تمْسَحوا بعونه تعالى. ومن حق جلودهم عليهم وعلى الأيام أن تُتَمْسَح بعد أربعين عاماً من الهزات والتسوناميات والأعاصير والزلازل السياسية…
إلا أن ثمة ما لا يزال يُبكي أكثر مما يُضحك، يطرق أبواب اللبنانيين يومياً، ويجعلهم يفكّرون باستفقاد دموعهم. فضيحة الزبالة مثلاً، ماذا يمكن اللبنانيين أن يقولوا عنها وعن الذين يقفون خلفها وأمامها وعلى جانبيها وجانبي الطريق… فيما تستعد لدخول شهرها التاسع، من غير أن تظهر عليها ملامح حمل، أو مؤشرات توحي باقتراب الولادة؟
في الوقت عينه ذاته نفسه نجد أزمة الفراغ الرئاسي، وقد باتت خارج موضوع الضحك والبكاء، تتبرَّج وتتأنق استعداداً للاحتفال بدخولها الشهر الأوَّل من السنة الثالثة… من غير أن تظهر عليها أي مؤشِّرات تنبئ بأية حركة ايجابيَّة، سواء لجهة الحَمَل أو الولادة أو “التطريح” على الأقل: مطرحَك يا واقف. مطرحَك يا فراغ. مطرحِك يا زبالة. مطرحِك يا حكومة.
مطرحَك يا كلام من مياه وهواء بعد كل جلسة “مثمرة” مقمرة يعقدها مجلس الوزراء، ليناقش ما نوقش خلال الجلسة السابقة، والجلسات التي انعقدت على مراحل، وفي النادر من المناسبات.
نقتطع من المقررات الرسمية ما يلي: “افتتح دولة رئيس مجلس الوزراء الجلسة بتجديد الدعوة الى انتخاب رئيس للجمهوريَّة، معرباً عن الأمل في أن تنتهي جلسة الانتخاب المقبلة، التي دعت اليها رئاسة مجلس النواب، الى ملء الشغور الرئاسي”.
كما ورد في البيان أيضاً “ان دولة الرئيس عرض آخر ما توصَّلت إليه جهود اللجنة الوزاريَّة المختصة بمعالجة ملف النفايات الصلبة، فقال: إن اللجنة حقَّقت تقدَّماً في عملها، وقطعت ثلاثة أرباع الطريق نحو الحل المرحلي المتمثّل بالمطامر، معرباً عن أمله في التوصل خلال أيام الى تسوية لهذه المشكلة”.
يُرجى من القارئ اللبيب التأمُّل في مفردات ذات معنى سياسي وطني عميق الجذور، مثل: “آخر ما توصلت…”. ثم التوقف مطوّلاً أمام “جهود”، قبل التمتّع بــ”حققت تقدماً”. على أن يقتطع من البيان جملة تاريخيَّة، نصها: “قطعت ثلاثة أرباع الطريق نحو…”.
لا شكّ في أن ما أُنجز خلال جلسة أمس، على صعيد الزبالة، يستحقّ التغنّي به والبناء على مطامره…
حقاً، من أين يا غاليتي أبتدي، وكلُّ ما فيك جميل، مثلما فيك أشياءٌ من كارثة الفراغ الرئاسي وأشياء أخرى من فضيحة الزبالة.
حتماً، لا بدَّ من تسجيل اعتذارات لا تُحصى لشاعر الجمال والحب نزار قباني، بعدما لجأنا الى مطلع احدى أجمل قصائده… وفي سياق كلام سياسي باهت، ومملّ، ولن يغيّر حرفاً من الوضع الذي لا يختلف بشيء عن وضع الزبالة…