Site icon IMLebanon

الفراغ يدخل عامه الثالث… لبنان جمهورية بلا رأس

ها هو العام الثالث يطلّ على اللبنانيين فيما دولتهم ما زالت «بلا رأس»، وهذا الفراغ بات ذكرى، يكتفي فيها اللبنانيون بالتحسّر على ما آلت إليه أوضاعهم، مستسلمين في المقابل للأمر الواقع، كونهم لم يفكّروا حتى بتشكيل قوّة ضغط لفك تعطيل الحياة السياسية في انتظار انتخاب رئيس جديد.

قد يكون اللبنانيون ألِفوا الفراغ الرئاسي الذي بات أمراً عادياً بعد الفراغين عامي 1988 و2007 على رغم أنّ الظروف كانت مغايرة آنذاك، وبعض النواب من جهتهم يتقاذفون الاتهامات ويغسلون أيديهم من ذنب الفراغ، معتبرين أن لا إثم لهم في إفساد 39 جلسة نيابية من دون انتخاب رئيس.

«الكتائب»

عضو كتلة «الكتائب اللبنانية» النائب ايلي ماروني، يؤكّد لـ«الجمهورية» أنّ «الفراغ لم يكن عبثياً، ومُسبّبيه «ما كانو عم يلعبو»، ويتّضح يوماً بعد يوم أننا أمام مخطّط لإحداث الفراغ على المستويات المؤسساتية كافة في لبنان، ولعلّ ما تسبّب به الفراغ في الرئاسة من أزمات في العمل الحكومي والتشريعي والتعيينات، إضافة الى أزمة النفايات والخلافات الدولية والمصرفية، يجعلنا لا نستبعِد ما حُكي عن مؤتمر تأسيسي لإعادة إنتاج نظام جديد في لبنان».

مضيفاً: «حُكي أخيراً عن انتخابات نيابية قبل الرئاسية، والتي ستؤدي الى إسقاط الحكومة التي ستصبح مستقيلة، وهنا يكون الفراغ قد وصَل الى السلطة التنفيذية. وبالتالي، لا أفق لأيّ حلول في المدى المنظور، لأنّ الأطراف التي تعطّل انتخاب الرئيس للأسباب التي باتت معروفة ما زالت على مواقفها».

«لو بَدّا تشتي غَيّمِت»، هكذا يكتفي ماروني بالتعليق عن احتمال الاتفاق على إسم واحد للرئاسة، متهماً «التيار الوطني الحر» بهذا التعطيل، لأنه الفريق المسيحي الذي يعرقل الانتخاب، إضافة الى «حزب الله» كونه الآمر الناهي في هذا الملف، لكنّ الجهات المسيحية المُنصاعة هي التي تتحمّل المسؤولية، أي «التيار الوطني الحر» و»المردة».

لم يعد خافياً أنّ مشهد الإرباك والقلق بات عنواناً عريضاً في الساحة السياسية اللبنانية، خصوصاً لجهة مسار العمل في المؤسسات الدستورية، بعدما فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس خلال عامين، والتداعيات على التشريع في ظل رفض بعض الكتل البرلمانية هذا الموضوع فيما الفراغ يحكم، إلى جانب مخاوف من مسار الحكومة التي تَولّت صلاحيات رئيس الجمهورية بحكم الدستور.

«الوفاء للمقاومة»

عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب كامل الرفاعي يجزم لـ«الجمهورية» بـ»أن لا شك في أنّ المؤسسات الدستورية لا تستقيم إلّا بوجود رئيس للجمهورية، والحياة النيابية والحكومية ومؤسسات الدولة بأكملها تحتاج لأن يكون هناك رأس للدولة، إضافة الى أنّ العلاقة بين لبنان ودول العالم تحتاج الى رمزية معينة يمثلها الرئيس»، معتبراً أنّ «غيابه يضرّ بوضع البلد العام وبسمعته أمام العالم».

ويتمنى الرفاعي «عدم اتهام الأفرقاء بعضهم لبعض، فهذا المركز لجميع اللبنانيين، وهو يجمع لا يفرّق، ونريد أن يُملأ هذا الكرسي بشخصية لها صدقيتها وتمثّل الشعب اللبناني كله».

«المستقبل»

من جهته، يقول عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت لـ»الجمهورية» إنّ «الفراغ في رئاسة الجمهورية أوضَح لنا مدى أهمية هذا الموقع، فغيابه شَلّ البلد على المستويات كافة إضافة الى التراجع الاقتصادي، امّا التعطيل فقائم بسبب مقاطعة فريق سياسي يريد فرض رئيس جمهورية بالتعيين، إسمه ميشال عون، وهو ما يعادي الديموقراطية على أساس أنه الأكثر تمثيلاً، فلا تمام سلام هو الأكثر تمثيلاً سنياً، ولا نبيه برّي الأكثر تمثيلاً شيعياً، بل نختار من نعتقد أنه الأكثر ملاءمة سياسياً لكل مرحلة».

وإذ لم يتوقّع فتفت بوادر حلّ في المدى القريب، يؤكّد أنّ «حزب الله مصمّم على تعيين الرئيس أو الاستمرار في التعطيل وربط لبنان بالمصالح الايرانية في المنطقة، وطالما لم يسهّل هذا الفريق الطريق نحو الانتخاب، فإنّ ذلك لن يحصل»، متّهماً «الحزب» بالتعطيل وليس عون، «فعون يسير خلف «حزب الله»، وهو ليس فريقاً معطّلاً إذ إنه ليس صاحب قرار».

ويرى فتفت «احتمالاً في أن يكون «حزب الله» يريد تكريس توازن القوى الموجود لمصلحته الآن، لتحقيق مكاسب سياسية لمصلحته، كالمثالثة أو ما شابَه، وهو أمر خطير لسنا في وارد التوجّه إليه، فهل يريد أن يجرّنا الى حرب أهلية لتحقيق مكاسب سياسية؟ أتمنى أن لا تكون هذه نواياه».

توازياً، كان المبعوث الخاص للأمم المتحدة بشأن تنفيذ قرار مجلس الأمن 1559، تيري رود لارسن، قد صرّح أنّ «هناك آثاراً سلبية نجمت عن الفراغ الرئاسي المستمر في لبنان منذ عامين تقريباً، وذلك في قدرة لبنان على اتخاذ قرارات مهمة، وانّ الاستقطابات الحالية تقوّض المؤسسات التي تثبت فعاليتها في إدارة البلاد»، ويطرح هذا التصريح علامات استفهام عدة حول قدرة لبنان على معاودة فَرض نفسه على الساحة الدولية بعدما فقد صورة الدولة القادرة على تحمّل المسؤولية أمام المجتمع الدولي.

«القوات اللبنانية»

عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب جوزف المعلوف، يوضح لـ»الجمهورية» أنّ «الفراغ أثبت أهمية موقع رئاسة الجمهورية على رغم الملاحظات حول دور رئيس الجمهورية بعد «الطائف»، فدوره أساسي في عمل السلطات الدستورية، ومن الواضح أنّ إطالة الفراغ ستؤدي الى تقهقر في عمل المؤسسات الدستورية وصدقية البلد تجاه المجتمع الدولي»، مضيفاً: «أملنا كبير بُعَيد المبادرات التي انطلقت فيها قوى «14 آذار» ولو لم تَصبّ في المكان نفسه، لكن على الأقل بقيت مبادراتها مستمرة لسدّ الفراغ.

وحالياً، هناك تحركات نحو حلّ، نأمل أن يلاقي آذاناً صاغية، وأنا متفائل لأنّ ضرورة التسريع في الانتخاب باتت واضحة الأهمية، وإجراء الانتخابات البلدية في وقتها أعطى صدقية لهذا الموضوع، خصوصاً أنّ المواطن اللبناني أثبت إيمانه بالنظام الديموقراطي».

ويعتبر معلوف أنّ «المشاورات ما وراء الكواليس والدور الذي تؤديه فرنسا قد يصبّان في مكان إيجابي، إضافة الى أنّ مبادرة السفير السعودي هي دليل الى احتمال إعادة تفعيل الطاقة الإيجابية في اتجاه الوصول الى انتخاب رئيس»، آملاً «أن لا نصل الى مؤتمر تأسيسي طالما أنه يمكننا حل الأمور تحت غطاء الدستور الطبيعي، إلّا أنّ قراءة مبادرة الرئيس نبيه بري تصبّ في خانة الانتخابات النيابية التي تسبق الرئاسية، والتي تعتبرها غير دستورية، أو الاتجاه نحو «دوحة» جديدة، لكن نأمل أن لا نصِل الى هذين الحلّين».

وفيما تجزم القوى السياسية كافة أنّ هذا الاستحقاق لبناني صرف، يبرز عجزها يوماً بعد آخر على «لَبنَنته»، ليستغلّ الخارج هذا العجز، ويهرع الى تقاسم «الجبنة»، فيما يتأكد للعَيان يومياً أنّ الرئيس ليس صناعة وطنيّة، بل يُستورد من الخارج.

«اللقاء الديموقراطي»

عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب علاء الدين ترو يؤكد لـ«الجمهورية» أن «لا عاقل يمكنه تصوّر أن يفرّط أحد بهذا القدر ببَلد ويترك موقع رئاسة الجمهورية فارغاً طوال هذه المدة نتيجة حسابات سياسية ضيقة عند البعض على حساب مصير الوطن، وهذا غير مقبول بما أنّ الفراغ الرئاسي هو السبب في عدم انعقاد مجلس النواب، أو إجراء الانتخابات النيابية، أو تعطيل أعمال مجلس الوزراء، الى جانب الخلل في التعيينات الأمنية والإدارية وغيرها».

ويرى أنّ «كل المحاولات للتوصّل الى رئيس توافقي لم تنجح، علماً أنه الوحيد الذي يمكن للبنانيين الالتفاف حوله»، رافضاً «اتهام فريق معين، إذ إنّ كل الأمور واضحة».

قد يعتبر البعض أنّ رئيس الجمهورية لا يحلّ ولا يربط بعدما جُرّد من صلاحياته في اتفاق «الطائف»، إلّا أنّ ما تبيّن هو أنّ غيابه يسبب شلل المؤسسات كافة ويُهدّد بانهيار البلد. وفي هذا الإطار، لم تستطع الحكومة تسلّم أعماله.

«التيار»

عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب نبيل نقولا يقول لـ«الجمهورية» إنّ «الفراغ يعني أنّ هناك فئة من اللبنانيين مُستأثرة بالسلطة، وهي معروفة وقرارها مُرتهن للخارج. فعندما تقرّ هذه الفئة بشرعية من يمثّل الأكثر مسيحياً، تُحلّ الأمور كلها»، معتبراً أنّه «عندما وصل الرئيس نجيب ميقاتي الى رئاسة الحكومة، خربوا البلد لاعتبارهم أنه لا يمثّل الأكثرية السنية».

ويفضّل نقولا «أن يكون لنا رئيس للجمهورية يمثّل الأكثرية المسيحية، أو فلنبقَ كما نحن أفضل، فـ»التيار» قدّم تنازلات كثيرة، وأعطينا حلولاً عدة لهذا الملف، لكنّ أحداً لا يريد الاعتراف بها، فاقترحنا الذهاب نحو انتخابات نيابية بعد التوصّل الى قانون انتخاب عادل، أو فلينتخب الشعب رئيسه ولو لمرة واحدة».

«التنمية والتحرير»

من جهته، يأسف عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ميشال موسى لـ»دخول لبنان عامه الثالث في ظل الفراغ، ما عطّل عمل المؤسسات، لكنني لا أرى أملاً في الوقت الحاضر، غير أنّ المطلوب من القوى السياسية أن لا تؤجّل في الاستحقاق أكثر»، معتبراً أنّه «لا يجوز تعطيل المؤسسات في ظل غياب الرئيس بما له من رمزية، وهو أساسيّ في توجّهات السلطة والطوائف».

لا يسلم مجلسا الوزراء والنواب ممّا أصاب موقع رئاسة الجمهورية، فهما «واقفان على الشوار»، يحضران شكليّاً أمام اللبنانيين أمّا في الحقيقة فهما يغرقان في سبات عظيم. إذاً، إنّ لبنان مبدئياً يعاني فراغاً في سدة رئاسته، وفعلياً يعانيه في السلطات الثلاث.