الفراغ في بعبدا لم يعد يقتصر على القصر الجمهوري. القصر البلدي، هو الآخر، بات مهدداً بالوقوع تحت وطأة الفراغ بعد استقالة أكثر من نصف أعضاء البلدية، فيما لم يسجلّ حتى الساعة أي تدخل من التيار الوطني الحر في احدى أكبر بلدات القضاء التي تعدّ نحو 5000 ناخب
وقعت بلدية بعبدا في الفراغ بعدما كان مصيرها معلقا على «شوار» عضو واحد. قدّم نائب رئيس البلدية أديب النوار استقالته ليقضي على ما تبقى من البلدية ويشلّها، بعدما ارتفع عدد الأعضاء المستقيلين الى النصف زائداً واحداً (7 أعضاء مستقيلين من أصل 15، وعضو متوفَّى)، الأمر الذي يحلّ البلدية بأكملها. علماً أن النوار سبق أن تقدّم باستقالته قبل نحو عام ثم تراجع عنها.
في تفاصيل الاستقالة الأخيرة، وفقاً للرواية التي يتداولها الأعضاء، أن خلافاً نشـأ بين النوار ورئيس البلدية هنري كاراميلو الحلو على خلفية بناء طابقين اضافيين على العقار الرقم 281 لصاحبه عبدالله عبدو. فقد طلب النوار من «الريّس» توقيع الطلب، إلا أن الأخير رفض بعد كشف جهاز الهندسة في البلدية على العقار ليتبين أن بناء طابقين يعدّ بمثابة مخالفة بناء، لكن «الريّس» لم يقفلها في وجه نائبه، فعرض عليه أن يوقع المخالفة بنفسه أثناء وجوده في الخارج لكون مهمات الرئيس تفوَّض الى النائب في هذه الحالة. غير أن النوار أصرّ على الحلو أن يوقعها، ولما رفض الأخير، كانت الاستقالة التي حلّت أو يفترض أن تحلّ المجلس البلدي.
يؤكد أحد نواب بعبدا أن نائب الرئيس أقرّ بهذه الرواية لدى الادلاء بإفادته أمام محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل، الذي لم يبتّ حتى الساعة أمرها برغم مرور أكثر من شهر على الأمر. «الأخبار» حاولت الاتصال بفليفل من دون جدوى، فيما جزم نائب بعبداوي بأن المحافظ لا يتدخل بهذه الأمور ويقضي معظم وقته في مجلس الوزراء، بعدما تسلّم أمانته العامة. ويؤكد أحد أعضاء البلدية أن خلافاً كبيراً نشب داخل المحافظة، ولا سيما بعدما حاول فريق رئيس البلدية، لضمان عدم فرطها، حثّ أحد الأعضاء على الرجوع عن استقالته على نحو غير قانوني، لأن الاستقالة لا تزال موضوع طعن في مجلس شورى الدولة منذ نحو سنة، فيما ترتسم علامة الاستفهام الأبرز حول ما يحول دون محاسبة المحافظة والداخلية لنائب الرئيس في حال ثبوت صحة رواية استقالته من أجل مخالفة!
يفترض أن تحلّ إستقالة نوار المجلس البلدي في بعبدا
على المقلب الآخر، لم يسجل أي تدخل من التيار الوطني الحر لحلّ هذه المشكلة، لكون النوار كما رئيس البلدية مناصرين للرابية، اذ تعلو حسابات الناخبين هنا على حساب فرط البلدية، وأي تدخل من أي نائب لمصلحة نائب الرئيس من شأنه أن يخسره صوت الريّس وفريقه، والعكس صحيح. وبالتالي فضّل النواب الاكتفاء بوضع هذا الخلاف في اطار «الشخصي البعيد عن السياسة»، تفاديا للاحراج. في موازاة ذلك، يقول أحد الأعضاء أن بعض الجهات السياسية والمدنية تضغط على المحافظ لضمان عدم بتّ استقالة النوار وعدم فرط البلدية، وذلك من أجل تمييع القضية الى ما بعد خمسة أشهر، حتى يتضح مصير الانتخابات البلدية في العام المقبل. وليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها بلدية بعبدا امتحانا يهدد بفرط عقدها، اذ بدأت المشكلات منذ تأليفها عام 2010، اثر استقالة ثلاثة من أعضائها ينتمون الى فريق مناهض لفريق رئيس البلدية. وبعدها كرّت سبحة الاستقالات مع خلافات بعض الأعضاء العونيين في ما بينهم، أبرزها الخلاف بين النوار والعضو بدري جلخ العامل في جهاز حماية النائب ميشال عون. يومها اضطرت الرابية ونواب بعبدا الى التدخل للتخفيف من حدة الخلاف والحدّ من اضراره. علماً أن قبول استقالة النوار سيعني حلّ واحدة من أكبر بلديات قضاء بعبدا التي تعدّ نحو5000 ناخب، وهي فعليا المنطقة الأكثر حيوية في القضاء ومركز ثقله الذي يضم غالبية مؤسساته واداراته ووزارة الدفاع كما القصر الجمهوري ومحافظة جبل لبنان، ما يؤسس لفراغ تام في قلب بعبدا قد يطول لأكثر من عام. وبمعزل عن كون حلّ البلدية مضرا معنويا وعمليا حيث لا امكانية لتسيير شؤون المواطنين والساكنين في البلدة كما يفترض، يتجسّد خوف البعبداويين الأكبر من كون هذه الاستقالة مقدمة لـ «تشليع البلدة»، وذلك بناء على أصوات قديمة بدأت تعلو مجددا لتطالب بفصل اللويزة عن بعبدا وانشاء بلدية خاصة بها لكونها أصبحت تستوفي كل الشروط اللازمة. الامر الذي يوقع بعبدا في مشكلة ديموغرافية كبيرة، اذ تضم بلدية بعبدا أربع بلدات: بعبدا واللويزة وسبنيه والفياضية. وفصل اللويزة بنفسها عن نطاق بعبدا، سيسمح لعرب سبنيه بالتحكم في نتائج الانتخابات البلدية، وهو ما يرفضه البعبداويون رفضا قاطعا ويتخوفون من حصوله في حال حلّ البلدية الحالية.