المشهد السوريالي المتكرر في ساحة النجمة يعيد تأكيد المؤكد في المشهد اللبناني الكامل المحكوم بالمشهد الاقليمي والدولي: الفراغ ليس فقط في الرئاسة بل أيضاً في السياسة. والرهان على حدوث معجزة في استحقاق دستوري لا يزال نوعاً من تقميش العجز. فلو لم نكن في فراغ سياسي لما وصلنا بعيون مفتوحة الى فراغ رئاسي، ونحن نسمع أفخم الكلام في الخطاب السياسي. ولو كنا نصدق أننا بالفعل في نظام ديمقراطي برلماني اساسه العودة الى الشعب كل اربع سنوات والاحتكام الى الدستور في الازمات، لا التمديد ولا السعي للغلبة، لما سمعنا من يجرؤ على تسمية التعطيل المستمر للعبة الديمقراطية ممارسة للديمقراطية.
ولا شيء يتغير مهما تكررت مواعيد الجلسات. الذين حضروا من قوى ١٤ آذار وكتلة الرئيس نبيه بري يواظبون على الحضور. والذين غابوا من قوى ٨ آذار مستمرون في الغياب للحؤول دون اكتمال النصاب. انضباط كامل خلف خطي الانقسام الحاد، من دون نسيان الدعوات الى الوحدة الوطنية. لا مجال عملياً لفتح ثغرة في الحوار. ولا فرصة للعودة الى التنافس الانتخابي. لكن الواقع يتغير يومياً من السيئ الى الأسوأ في مسار انحداري، سياسي واقتصادي واجتماعي وحتى ثقافي وفكري. والوقائع الخطيرة والخطرة تتراكم فوقنا على الحدود وفي الداخل، وغالباً بقوة الخارج، من دون ان تدفعنا الى تحمّل المسؤوليات.
ذلك ان اللاطبيعي صار الوضع الطبيعي: الجمع بين كل أنواع المخاطر وكل أشكال الهرب من الفرص. فالكل يقول يومياً ان المعارك في جرود عرسال وبريتال مرشحة للتكرار وللامتداد الى عكار وطرابلس، وسط الضغوط العسكرية في العراق وسوريا على داعش. ولا أحد يجهل ان الخارطة الجيوسياسية التي تنتهي اليها حرب سوريا لها تأثير كبير على لبنان، ان لم تحدد مصيره، سواء بقي حزب الله مشاركا في الحرب أو حدث تبدّل في الحسابات بما يحتم انسحابه. فضلاً عن اننا نقرأ يومياً أخبار القبض على نازحين سوريين مرتبطين بداعش والادعاء القضائي على أسماء لبنانية ومن جنسيات عدة بتهمة الانتماء الى داعش وتأليف عصابات ارهابية، ثم نسمع من مسؤولين وغير مسؤولين نفي وجود داعش في لبنان.
لكن الاسترخاء يبدو الغالب على ردود الفعل ومواجهة التحديات. مجلس الوزراء يعمل على مهله، ضمن أصعب مهمة هي اجماع ٢٤ عضواً على أي قرار. المجلس النيابي يتصرف عملياً على أساس ان التمديد الثاني لنفسه يتقدم على انتخاب رئيس للجمهورية. وكل أخطار اسرائيل وداعش والنصرة تعجز عن دفع قوى التعطيل الى تسهيل انتخاب رئيس. والأخطر هو ان نواجه الأخطار من مواقع مذهبية، بدل أن نعيد الاعتبار الى الموقع الوطني.