إستدلّ كثيرون من المواقف المعلنة إلى وجود سعي جدّي وحقيقي للتوصّل إلى قانون انتخابي جديد في الأيام المتبقّية من ولاية مجلس النواب التي تنتهي في 19 حزيران المقبل، وكذلك إلى فتحِ دورةٍ تشريعية استثنائية للمجلس الذي تنتهي دورته العادية الحالية يوم الأربعاء المقبل، أي قبل 19 يوماً من انتهاء ولايته.
سواءٌ حصَل اتّفاق على قانون انتخاب أو تقرّرَت العودة إلى قانون الستين النافذ، يقول قطبٌ نيابي، فإنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري سيُصدران قريباً مرسوماً بفتح الدورة الاستنثائية، وإلّا فإنّ البلاد ستسقط بعد 19 حزيران في فراغ نيابي تكون له مضاعفات خطيرة على الأوضاع العامة في البلاد لا يمكن لأحد التكهّن بطبيعتها.
والأفكار المطروحة تهدف الى إنتاج قانون انتخابي يعتمد النسبية الكاملة، يقول القطب النيابي، فالنسبية قبلَ بها الجميع من حيث المبدأ، ولكن النقاش يدور حول التفاصيل، وتحديداً حول عدد الدوائر الانتخابية من حيث حجمها وعددها، في ظلّ ميلِ لدى الغالبية الى اعتماد لبنان 15 دائرة وسطى، والبعض ما زال يناقش في «الصوت التفضيلي»، فيما البعض يقترح صرفَ النظرِ عنه والاكتفاء باعتماد النسبية «بلا تفضيل أو أفعل التفضيل»، إذا جاز التعبير.
لا مصلحة لعون، وكذلك للحريري، بعدمِ فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، لأنّ ّّذلك يقفِل باب البحث في قانون انتخابي جديد ويوصِل البلاد في 19 حزيران الى فراغ نيابي ليس مضموناً إنهاؤه بانتخاب مجلس نيابي جديد خلال ثلاثة اشهر استناداً الى المادتين 25 و74 من الدستور، اللتين تنطبقان على مجلس نيابي اتّخذ مجلس الوزراء قراراً بحلّه بموافقة أكثرية ثلثَي أعضائه بناءً على طلب رئيس الجمهورية، ولا تنطبقان على مجلس انتهت ولايتُه ولم يُنتخب بديلٌ منه ضمن المهل القانونية والدستورية.
هناك «إبليس» كامن في تفاصيل البحث الجاري في تقسيم الدوائر و«الصوت التفضيلي»، ولكنّ القطب النيابي، لا يسقِط من الحسبان انّ الخلاف على هذه التفاصيل قد يُحبِط مشروع قانون الانتخاب النسبي، ليعيدَ الجميعَ الى «الستين» كونه القانونَ النافذ. ولكنّ هذا القطب يؤكد أنّ «الستين» قد «انتهى ولا عودة اليه في أيّ شكل من الاشكال»، على الرغم من وجود «حنين» لدى البعض اليه «عندما يخلون الى شياطينهم».
ويقول إنّ العهد يدرك انّ العودة الى «الستين» تشكّل نكسةً له، بل إحباطاً، لا يمكنه تحمّلُ تبعاتِه والمضاعفات السلبية التي يمكن ان يُحدثها، خصوصاً انّ رئيس الجمهورية كان وما يزال ينادي بقانون جديد، رافضاً بقاءَ «الستين» الذي كان استُحضِر في مؤتمر الدوحة عام 2008 تلبيةً لرغبته حيث وَجد فيه يومها ما يُمكّن المسيحيين من تعزيز تمثيلهم النيابي عبر انتخابهم غالبيةَ نوابهم في كنفِهم، بعيداً من أكناف الآخرين. وقد رفض عون يومها ان ينصّ «اتفاق الدوحة» على اعتماد قانون الستين «لمرّة واحدة فقط»، بل أصرّ على إبقائه معتمداً من دون تحديد أيّ شرط أو مدى زمني.
ويقال انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري هو الذي حاوَل إقناع عون بهذه «المرّة الواحدة فقط» إلّا أنّه لم يقبل، مقتنعاً بأنّ «الستين» سيحقّق للمسيحيين التمثيلَ الذي يطمحون اليه.
بعض السياسيين يعتقدون أنّ الايام المقبلة ستكون حاسمةً على مستوى انكشاف حقيقة النيّات في شأن الاستحقاق النيابي لجهة صيروته الى الإنجاز وفق قانون جديد، أو صيرورته الى فراغ نيابي للّجوء الى إجراءات لإنهائه، ليس مؤكّداً أنها ستكون دستورية.
والحلّ الطبيعي للاستحقاق النيابي، يراه القطب النيابي، في إقرار قانون انتخابي جديد يعتمد النظام النسبي، لأنّ الجميع لو سلّموا جدلاً بالذهاب الى الفراغ والأخذ بما تنصّ عليه المادتان 25 و 74 من الدستور، فمن يضمن حصولَ الانتخابات في خلال ثلاثة اشهر، خصوصاً في حال تدهورَت الاوضاع في المنطقة وطاوَل التدهور لبنان.
وفي هذه الحال هل يمكن استدعاء المجلس المنتهية ولايتُه لملءِ الفراغ مثلما تنصّ المادة 55 من الدستورفي فقرتها الأخيرة. «.. وفي حال عدمِ إجراء الانتخابات ضمن المهلة المنصوص عنها في المادة الخامسة والعشرين من الدستور يُعتبر مرسوم الحلّ باطلاً وكأنه لم يكن، ويستمرّ مجلس النواب في ممارسة سلطاته وفقاً لأحكام الدستور»؟.
ويقول سياسيون أن لا شيء يأخذ الاستحقاق النيابي الى الفراغ إلّا استمرار البعض في التعنّتِ في مواقفهم واستعجال «القبض» على مكاسب ليس أوانها، وكذلك تعاطي البعض بنزعة «الثأر» من هذا الجهة، أو الكيد من تلك، لأسباب تتّصل بماضٍ بعيد وآخر قريب، وهي اسباب ليست واقعية، وإنّما اسباب شخصية اكثر منها سياسية.
لكنّ فريقاً من السياسيين يقدّمون «اسباباً تخفيفية» لبعض المحيطين بالعهد ومعاونيه، فيقولون إنّ هؤلاء إنّما يَهدفون من التصعيد في الموقف هنا والتهاون هناك على جبهة البحث في قانون الانتخاب، الى تحقيق مزيدٍ من المكاسب السياسية مستفيدين من فرصة توَلّي فريقِهم رئاسة الجمورية، وإنّهم في الوقت نفسه مقتنعون بأنّهم في نهاية المطاف لا يستطيعون إيصالَ البلاد الى الفراغ، وسيَدخلون في تسوية تفضي الى قانون انتخاب جديد في اللحظة الاخيرة، سواء حقّقوا كلّ ما يطمحون اليه أو جلّه، ومِثل هذا القانون هو الوحيد هو الذي يقنِع عون بالسير في تمديد تقني للمجلس الحالي في انتظار أن تُجرى الانتخابات.
على أنّ ما تتخوّف منه قوى سياسية أساسية هو وصول البلاد الى فراغ نيابي يمكن ان يتسبّب به البعض في حال إصرارهم على انتهاء ولاية المجلس وصيرورته مجلساً سابقاً برئاسته ونوابه، وذلك رغبةً في كيديةٍ شخصية أو سياسيةٍ ما، ربّما ما زال البعض يضمرها ضد رئيس المجلس وآخرين.
ولكنّ بري، على ما يَرشح من بعض الاوساط المطلعة على موقفه، لن يقف مكتوفاً، وسيَحول بكلّ الوسائل القانونية دون إدخال البلاد في الفراغ، وذلك أخْذاً بمبدأ «المجلس النيابي سيّد نفسه»، قبل انتهاء العقد التشريعي الاربعاء المقبل، أو في خلال العقد الاستثنائي إذا فتِح له، أمّا في حال أُسقِط من يده فلن يكون أمامه إلّا الاستقالة من الحكومة، وسيَستقيل معه بالتضامن والتحالف وزراء «حزب الله» والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار «المردة»، وفي هذه الحال سيَستجرّ الفراغ النيابي فراغاً أكبرَ، حكومياً وغيرَ حكومي، وتدخل عندئذ البلاد في نفقٍ لا يُعرَف منتهاه.