يتكرر السيناريو ذاته مرّة تلوَ مرّة: يضرب الإرهاب بين الناس فيخرج «داعش» ليعلن المسؤولية، وفي الأمرَين ما هو أكبر من توصيفهما!
هذا إرهاب سياسي وليس دينياً. وعمل أجهزة تحمل أجندة محدّدة وليس خبطاً عشوائياً، أو شغل «ذئاب منفردة» يمكنها ساعة تشاء، أن تزنّر حالها بكميات من المتفجرات وأن ترصد هدفاً كبيراً ثم تذهب إليه تلبيةً لنداء «الخليفة»!
هذا شغل ذئاب، نعم.. ولكنّها قطعان منظّمة وليست منفردة ومتفرّقة! وأداؤها احترافي تماماً وليس لعب هُواة وقصَّر.. وحضور «الأدوات» الفتيّة (الانتحارية) فيها لا يعني حضور عدّة التنفيذ! ولا توقيته! ولا أجندته، بقدر ما هو حضور (متكرّر) لواقعة إلباس ثوب ديني بقماشة واحدة وبقياسات متعدّدة، ولأسباب سياسية، حالات يأس فردي تام. أو إحباط عميق. أو فشل ذاتي مقفل. أو علّة مستعصية. أو غير ذلك من عوارض العيش المديني الصعب!
«الذئاب» التي ضربت في بلجيكا وفرنسا وألمانيا والسويد، وأمام مجلس العموم في لندن قبل فترة وجيزة، يجمعها تهتّك في السيرة الذاتية يشتمل على كل الموبقات الممكنة. من المخدرات الى القواده الى اللجوء غير الشرعي، الى النصب والسرقة والإجرام «العادي»، الى الكحول، الى غير ذلك (إذا أمكن!) من مظاهر انعدام البعد الديني في كل مراحلها العُمريّة.
لكن استخدام المتفجرات في جريمة مانشستر يحمل دلالات أكثر خطراً من سيرة الإرهاب الذي ضرب في قلب أوروبا سابقاً.. هذا ليس سلاحاً فردياً يمكن الحصول عليه، برغم صعوبة الأمر. ولا شاحنة أو سيارة يمكن استخدامها «بسلاسة» وتحويلها أداة دهس وقتل، عشوائياً! بل مواد تفجيرية لا يمكن وخصوصاً في بريطانيا، الاستحواذ عليها فردياً!
للبريطانيين خبرة طويلة وعميقة في مواجهة الإرهاب تبعاً لتاريخ النزاع السابق مع «الجيش الجمهوري الارلندي» وأداته القتالية. و«الأمن» عندهم مشاع مثل الهواء: موجود في كل مكان وزمان لكنّه لا يُرى! وبالتالي، فإنّ خبريّة «الذئاب المنفردة» القادرة وحدها من دون مساعدة «مرموقة»، على ارتكاب جريمة تفجير بهذا الحجم، مُصابة بهشاشة أكيدة!
يُقال ذلك كلّه، لتأكيد فرضيّة، تكاد أن تصير بديهة: هذا «الإرهاب» يضرب وفق أجندة مربوطة بدول وأنظمة ولا يخدم غيرها. وهذه بعد قمم الرياض وبدء ترجمة المواقف الأميركية عملياً (وميدانياً) تستأنف استخدامه كسلاح عقابي! أو ردعي! وكبريد سياسي ممهور بالحيونة والتوحّش.. وتعرف تماماً مدى تأثيره في دول تحترم ناسها، وتعتبر سلامة كل فرد فيها قضية في صلب قيمها التي أخذتها الى مصاف الريادة، في العلم والفن والأدب والصناعة والقانون وتداول السلطة والحرية.. إلخ.
لكن هذه أدوات قتالية قديمة. لم تؤثّر سابقاً وصعب الظنّ أنّها ستؤثّر راهناً أو مستقبلاً، في الخيارات السياسيّة للدول المستهدفة! وإلاّ ما كانت منظومة الاستبداد في معظم أنظمتها إنهارت مثل عمود الملح! ولم يبقَ منها إلاّ تلك التي لا تجد سوى قتل الأطفال عنواناً لقيمها!