الثوابت والمتغيرات في المجتمع السياسي اللبناني، تحتاج اليوم الى مراجعة ودراسة وتأمل عميق، لفهم حقيقة الأزمات الطارئة على الساحة في هذه الآونة، لا سيما بعد بزوغ شمس العهد الجديد. ويبدو أن التحولات التي حدثت هي في صلب حالة الدوران والزوغان في قضية حيوية ومصيرية مثل قانون الانتخاب، أو حالة التباينات والتضارب في شأن البحث عن حلول للأزمة المستعصية على مرّ العهود وتستحق بجدارة تسمية أمّ الأزمات على الصعيد الانمائي، وهي تلك المتعلقة بالكهرباء. والحديث عن التحولات يطال المكونات السياسية المعهودة وقياداتها من مرجعيات سياسية وأحزاب وتيارات، ويستثني المرجعية الأولى في البلد في موقع رئاسة الجمهورية، على اعتبار ان فخامته أخرج نفسه منذ انتخابه رئيسا، من موقع الطرف الى موقع الحكَم وبيّ الكل، وسيبقى كذلك الى أن يثبت العكس.
ثلاثة متغيرات بارزة وقعت، في ثلاثة مكونات حزبية حتى الآن، ان في نمط الخطاب السياسي، أم في أسلوب التعامل مع الآخرين، أم في فحوى الخيارات. وفي المقدمة التيار الوطني الحر. وما نشهده اليوم قيادة جديدة شابة تختلف في طرق تعبيرها في الشكل والمضمون عما عرفناه في عهد القيادة السابقة بزعامة العماد ميشال عون قبل الرئاسة. وتؤازرها قيادات شابة أخرى تشبهها في أسلوب التعاطي بشيء من الاستعلاء والنزعة الصدامية. وتستثني من بينهم الرجل الرصين والمنفتح والبراغماتي الأستاذ ابراهيم كنعان رئيس لجنة المال والموازنة. وما نشهده اليوم تيار بوجوه جديدة وأساليب جديدة تختلف عما تابعناه واعجبنا به في قيادة العماد عون.
المتغيرات شملت أيضا حزب القوات اللبنانية. وهذا التحول حدث في لحظة درامية بقرار جسور اتخذه قائدها الدكتور سمير جعجع، في التحوّل من الصدام الى الوئام والتحالف مع التيار وقيادته مع العماد عون. وهذا التحوّل مستمر اليوم بنهج واقعي وانفتاحي سياسيا ووطنيا، وتقديم المثل والمثال على ممارسة المسؤولية في الدولة وخارجها وفقا للأصول، دون محاباة ولا مراعاة خواطر، من تعتبره القوات من ثوابتها، حتى الجديدة منها. وهذا يعني ان القوات بقيت هي نفسها ولكنها طوّرت نفسها بحسب الظروف والمتغيرات المحيطة بها، حتى ولو تطلبت قرارات تغييرية وشجاعة.
تغيّر أيضا تيار المستقبل في أسلوب التعاطي السياسي بحسب الظروف المستجدة بقيادة الرئيس سعد الحريري، وهي تختلف عن تلك المراحل الصعبة والمتشابكة كما كانت في عهد الراحل الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وهذه المتغيرات هي سياسية ومرحلية وفي نطاق لبناني ضيّق، ولكن بقيت الثوابت هي نفسها مع الحريري الإبن كما كانت في زمن والده. وبرزت الى جانب الرئيس سعد الحريري قيادة شابة جديدة متّزنة وذكيّة وبعيدة عن الأضواء ممثلة في شخص مدير مكتبه نادر الحريري. ومن محاسن الصدف وجود ثلاث شخصيات متشابهة في مواصفاتها الايجابية وهي: ملحم رياشي وزير الاعلام من حزب القوات، وابراهيم كنعان من التيار الوطني الحر، ونادر الحريري من تيار المستقبل. وللحديث صلة.