تلقيتُ الثلثاء الماضي تعليقاً من محلّل لشؤون الشرق الأوسط على “الموقف” الذي صدر يومها يحمل العنوان الآتي: الاتفاق النووي لن يوقف نزيف ايران. وافق في بدايته على ما ورد فيه من تأكيد لعدم استعجال أميركا الحاق الهزيمة بـ”داعش”. لكنه استنتج أنني قد أكون أحضّ ايران على تقديم تنازلات في القضايا الاقليمية الأساسية. ولفت الى أن سيطرة “داعش” أو “القاعدة” على سوريا وقسم كبير من العراق سيكون ضربة مهمة لايران و”حزب الله”. أما على المدى الطويل فإن أميركا ستكون خاسرة أيضاً لأنها لا تستطيع أن تسمح بوصفها زعيمة للنظام العالمي الحالي بسيطرة مجموعات ارهابية على دول “مفتاحية” مثل العراق وسوريا، ولأن ذلك سيضطرها الى ارسال جنودها الى الدولتين. وسيعني ذلك وقوعها مرة ثانية في حرب استنزاف اذ تحتاج الى عقد على الأقل لتطهيرهما من الارهابيين. وفي هذه الأثناء، أضاف: “أعتقد أن الصين ستصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم بدلاً من الولايات المتحدة التي ستخسر اللعبة الجيوسياسية الكبيرة معها البادئة منذ مطلع القرن الحالي. وهذا أمر يعرفه الايرانيون على ما أعتقد ويراهنون عليه”.
وبما أن المحلِّل السياسي المشار اليه ركّز تحليله على معطيات وتحليلات ومعلومات أميركية وردت في “الموقف” يومها ارتأيت اطلاع صاحبها ومرسلها لي المتابع الأميركي الجدي لشؤون المنطقة لأعرف تعليقه عليها. ولم يتأخر في الردّ الذي قال فيه: “كل شيء محتمل. لكن أميركا لا تخشى التحدِّي الاقتصادي الصيني لها. وهي لا تعتبر على الأقل حتى الآن الصين تهديداً وجودياً لها بل تهديداً محتملاً. وهي تتخذ كل الاجراءات وتبذل كل الجهود لمواجهته لمنعه من التحوُّل تهديداً فعلياً أمنياً واقتصادياً وغير ذلك، أو للتصدّي له اذا صار كذلك. ومن هنا تركيزها على المحيط الهادي (الباسيفيك) واقامتها تحالفات قوية مع الدول المجاورة للصين والخائفة من تعاظم قوتها العسكرية والاقتصادية. وتبدأ هذه الدول بالهند وتنتهي باليابان بعد مرورها بدول كثيرة مهمة منها الفليبين، ودعا المتابع نفسه المحلِّل المعلّق على “موقف” الثلثاء الماضي الى القاء نظرة على السوق الصينية للأسهم (البورصة) هذه الأيام والى الاطلاع على الجهود التي تبذلها السلطات في الصين لمنع انهيارها. وقال: “إن الصين وفي عملية تحويل اقتصادها من اشتراكي أو شيوعي الى اقتصاد السوق كوَّنت فعلياً داخل شعبها طبقة وسطى قوية. وهذه تريد من حكومتها أن تنفق المزيد من الأموال تلبية لحاجاتها وليس لحاجات الحزب الشيوعي الصيني الحاكم. وهذه الطبقة تؤذيها جدّياً التطورات والتحوّلات السلبية وربما التذبذبات في سوق الأسهم. ولذلك لا أحد يعرف منذ الآن ماذا سيحصل بعد عشر سنوات. والبقاء على هذه المعرفة، والخروج منها باستنتاجات حاسمة، علماً أن الاستشراف عملية علمية ومطلوبة شرط أن لا تتحوَّل يقيناً ايديولوجياً، يُبنى عليه الكثير من الأحلام وأحياناً الأوهام”.
أما في موضوع نفط ايران وحاجة الصين اليه فإن المتابع الأميركي نفسه لا يشك إطلاقاً في هذا الأمر، وفي أن الصينيين يرفضون الاعتماد فقط وفي صورة حصرية على حلفاء أميركا في الشرق الأوسط لتأمين حاجاتهم النفطية. وفي موضوع حض ايران على تقديم تنازلات لأميركا فإنه يُعرِب عن اعتقاده أن العلاقة المستقبلية لايران معها تتوقف وبدرجة كبيرة على الايرانيين. فهي لا تزال على “اللوائح الأميركية” مباشرة ومداورة باعتبارها الخالق أو المُسبِّب الرئيسي للمشكلات (Troubles) في المنطقة. ويتساءل في الوقت نفسه عن مصير العملية العسكرية التي تتحدث عنها الحكومة العراقية لاستعادة محافظتي الأنبار والموصل. وأعرب عن اعتقاده أن ايران متفاجئة بالتغيير في السياسة أو ربما في السلوك الذي بدأت تنتهجه تركيا رجب طيب أردوغان. في أي حال، أنهى المتابع الأميركي نفسه، هناك ارتياح في واشنطن لمتابعة احتواء المتشددين وان دفَّع ذلك ايران ثمناً باهظاً بالمال والدم.
أما بالنسبة اليّ فأنا لا أحضّ ايران على التنازل. لكنني أشجّعها على التسوية لأنّها، ورغم كونها دولة كبرى ذات دور مهم ومطلوب في المنطقة، لا تستطيع أن تصبح زعيمتها، ولأن أحداً لا يمكن أن يعرف ماذا يحصل في السنوات العشر التي يقول المعلِّق نفسه على الموقف إن ايران تراهن على تغيير عالمي خلالها يكون في مصلحتها سواء عندها أو في المنطقة. وماذا اذا لم يكن كذلك؟