في خضم التطورات الاقليمية المتسارعة، ومنها زيادة روسيا انخراطها العسكري في سوريا واقتراب السلاح الايراني من نهاية دوره، تقف «قوى 14 آذار» أمام ما يشبه الفرصة الأخيرة لمتابعة مشروع بنائها الدولة. ويتطلب ذلك جاهزية توازي أقلّه ما كانت عليه قواها الحية عام 2005 حين نجحت في تلقف المتغيرات وتحقيق هدفها الرئيس: إخراج القوات السورية.
لقد واجهت الدولة مرات عدة سلاحاً انقلابياً غير شرعي في مواجهة شرعيتها. ومن الأبرز ثلاث: السلاح الفلسطيني فالسلاح السوري وحالياً السلاح الإيراني بيد «حزب الله».
لقد لعب عبء السلاح الفلسطيني دوره في اندلاع الحرب الأهلية وفي اجتياح إسرائيل لأول مرة عاصمة عربية، كما يذكر سياسي سيادي مخضرم. وانتهى وجود السلاح السوري مع اغتياله الشهيد رفيق الحريري ومع انتفاضة استقلال أخرجته من لبنان وكانت مميزة بربطها الريف بالمدينة والمسلم بالمسيحي وبتحقيقها أبرز أهدافها مع الحفاظ على سلميتها.
أما السلاح الإيراني المتفلت بيد «حزب الله» فهو يقترب، من بدون شك، من نهايته خصوصاً بسبب مشاركته بشار الاسد في نحر شعبه. ويضعنا ذلك أمام خيار من اثنين وفق المصدر نفسه. إما إعادة تجديد الحرب الأهلية او القبول بتسوية وفق شروط الحزب وعلى مقاسه.
حتى الآن لم ينزلق «حزب الله» الى الخيار الأول لأسباب داخلية منها امتناع الطرف المقابل (السنة)، ولأسباب خارجية منها انقلاب الأدوار عما كانت عليه عام 1975 عند اندلاع الحرب الأهلية عندما كان الخارج يريد لبنان ساحة متفجرة لحماية سائر الأقطار، فيما يهتم حالياً بحماية استقراره مقابل الساحات المشتعلة. أما بالنسبة للخيار الثاني فالحزب يسعى للاستفادة من ربع الساعة الأخير لتأمين مقومات بيئة مناسبة. لكن نجاحه في مشروع الغلبة هذا «مستحيل في بلد متنوع». فقبل أيام معدودة قال نائب «حزب الله» نواف الموسوي إن ثمة خطين أحمرين لا يمكن تجاوزهما. الأول هو دماء مجاهدي المقاومة في مواجهة اسرائيل؛ والثاني في مواجهة العدو التكفيري، بما يعني دافعنا عنكم عندما كنتم تتلهون وغارقين في فسادكم وحقنا أن نفرض التسوية السياسية التي تناسبنا.
فإذا كان «حزب الله» يسعى لفرض تسوية بشروطه، ليس بيد «قوى 14 آذار» من تسوية سوى «اتفاق الطائف» الذي أضحى دستوراً، ويجب على أحزابها ومستقليها أن تدافع عنه من دون مواربة، خصوصاً بسبب تغير طبيعة القوى التي ساندت هذا الاتفاق عند إنجازه.
ففي العام 1989 ساندته على الساحة المسيحية الكنيسة و«القوات اللبنانية»، وسانده رفيق الحريري على الساحة الإسلامية، بينما لم يحبذه بدرجات متفاوتة «حزب الله» و«حركة امل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» انسجاماً مع الموقف السوري الذي كان يفضّل اتفاقاً من مثل «الاتفاق الثلاثي» بين إيلي حبيقة ووليد جنبلاط ونبيه بري. أما في العام 2015 فالكنيسة مثلاً دعت إلى تجديد العقد الاجتماعي و«حزب الله» إلى مؤتمر تأسيسي، فيما الحراك المدني الأخير يدعو إلى إسقاط النظام ما يعني عقداً سياسياً جديداً.
وجاهزية «قوى 14 آذار» الضرورية حالياً تستدعي مجدداً توحيد اللغة وترتيب الأولويات بدل الانزلاق إلى عناوين فرعية كانت من أبرز الأسباب التي سمحت لقسم من شبابها بالالتحاق بالتحركات المطلبية. والمتغيرات الإقليمية لم تعد حالياً تسمح لقوى 14 آذار بترف الدخول، كما سابقاً، في تسويات أتت دائماً على حسابها. فمشروع بناء الدولة مهمتها ومن دونها يتغير تماماً وجه لبنان، يقول المصدر نفسه.
لقد سمح التنسيق التحضيري بين مكوناتها عشية كل جلسة حوار بالتمسك خلال ثلاث جلسات بموقفها القائل إن لا انتقال من البند الأول، بند الرئاسة، قبل بته. ويلفت المصدر إلى أنهم كما توحدوا على طاولة الحوار فإن الظروف تستدعي توحداً وتنسيقاً أوسع.