انتخابات الجبل كانت انتخابات لبنان كله، لا انتخابات منطقة واحدة في لبنان.
اختلط فيها حابل الاختيار، بنابل المواجهات والصراعات. فضاع فيها الرابح، وضاع معه أيضاً الخاسر.
إلاّ أن الأهم، ان انتخابات الأحد الفائت، أعطت انطباعاً بأن الجبل هو لبنان، بتلاوينه السياسية والانتخابية.
وهو أيضاً لبنان الجامع لكل الخصوصيات الحاضنة لمعظم التركيبات المناطقية.
لا التحالفات القديمة زالت.
ولا التحالفات الجديدة ظبطت.
ولا الأرجحيات أعطت نصراً كاملاً لأحد، ولا تفوقاً جزئياً لأحد.
كانت كل معركة حامية أمّ المعارك.
والناس، احتاروا في التسميات.
لا حلف معراب ظبط.
ولا الخصومة التاريخية بين منصور البون وفريد هيكل الخازن استمرت.
والجديد في المعركة ان ثلاثي نعمت افرام وفريد الخازن ومنصور غانم البون أبصر النور.
في حين ان التاريخ يسجّل ان معركة المسيحيين في العام ١٩٦٨، مرّت، من تحت رسم السيدة العذراء في حريصا، من دون استذكار ان معركة الفؤادين فؤاد نفاع وفؤاد البون لم يحررها حلف لويس بو شرف، خطيب الكتائب المفوّه، والبرلماني العريق نهاد البويز.
في العام ١٩٧٣ استطاع سليمان فرنجيه تغيير المعادلة، عندما اختار فؤاد البون وزيراً للخارجية، فغضب منه ريمون اده، لأنه كان يعتبر وزارة الخارجية لنهاد بويز والد وزير الخارجية في عهد الرئيس الياس الهراوي.
رحل فارس بويز من حصة ريمون اده، وأصبح من حصة الرئيس السوري حافظ الأسد.
يومئذ، أوفد الرئيس الهراوي فارس بويز الى دمشق، فاتصل به الرئيس الأسد، وسأله عن سبب ابعاده عن حقيبة خُلقت له.
وعندما حضر جوزيف سيسكو الى بيروت للاعداد لمؤتمر كامب ديفيد، ثار وزراء حكومة الرئيس الهرواي ضد فارس بويز، لأنه قبل العرض الأميركي من دون ان يتشاور مع سوريا.
وساعة اتصل الوزير عبدالله الأمين، من قاعة جانبية بالوزير عبدالحليم خدام، استمهله لسؤال الرئيس الأسد، وجاءه الجواب بأن فارس بويز هو وزير خارجية لبنان.
وهكذا صمت الوزراء جميعاً، وأصبح بويز وزيراً للخارجية، لا مجرّد وزير.
بعد الانتخابات الأخيرة، بقيت أيقونة واحدة، تشكّل مروحة انقاذ للوضع اللبناني عنوانها: التغيير.
وهذا يعني ارادة لبنانية ناصعة القسمات، ضد تجار المواقف السياسية.
وفي رأي قسم كبير من المواطنين، ان الشعب الصابر على أزماته، مغلوب على أمره، لأن اللبنانيين فشّوا خلقهم، في كثافة الإقبال على صناديق الاقتراع، وهذا ما لم تشهده بيروت وزحلة.
والكثافة لا تعني الهروب من ماض مظلم، بل مجاهرة صريحة بأن الانتصار ليس دائماً هو السمة البديلة من الانكسار.