Site icon IMLebanon

بركة البابا “تحرس” حركة الراعي… و”تُخرس” تجّار الهيكل

 

شكّل اليوم الفاتيكاني الطويل مناسبة للإضاءة على الأزمة اللبنانية وإيصال صوت الحقّ إلى العالم أجمع والتأكيد أن لبنان ليس بلداً متروكاً لقدره.

 

عندما كانت كلمات قداسة البابا فرنسيس تطال بقساوة السياسيين اللبنانيين وتُحمّلهم مسؤولية ما وصلت إليه أوضاع البلاد والعباد، كان هؤلاء يغرّدون ويشدّدون على أهمية ما يقوم به البابا، وكأنّ المسؤولية في كل ما يحصل تقع على عاتق الشعب المظلوم والمقهور وليس عليهم.

 

لكنّ الفاتيكان يطبّق مع هؤلاء السياسيين مقولة “إسمع كلامهم ولا تفعل أفعالهم”، فإذا كان الحكّام يعملون على تحويل الصراع في لبنان إلى طائفي، فإن البابا لم يرحم أحداً من السياسيين، سواء كانوا مسيحيين أم مسلمين، بل وجّه سهامه باتجاه الجميع وصوّب على مكامن الخلل في بلد الأرز الذي يواجه أزمة وجودية.

 

وإذا كانت القراءة السياسية تصبّ في إتجاه واحد وهو أن لبنان حاز الإهتمام الأكبر من قداسة البابا، وأن مرتبته لم تتبدّل، وأنه مع الشعب المظلوم الذي يُحرم من أبسط حقوقه، إلاّ أن هناك قراءة كنسيّة خاصة بهذا الحدث “الجلل” والتي تتعلّق بموقع بكركي في التركيبة اللبنانية ومدى تأثيرها في الكرسي الرسولي.

 

وفي التفاصيل، فإن علاقة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مع الفاتيكان كانت في كل أيامها ممتازة حتى عندما كان مطراناً، وقد تطوّرت بعد انتخابه بطريركاً، وهنا لا بدّ من التذكير بأن زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر حصلت بعد عام ونصف العام تقريباً من تولّي الراعي سدّة البطريركية.

 

وبعد استقالة بنديكتوس وانتخاب فرنسيس، تطوّرت هذه العلاقة واستمرّ التواصل الدوري والمنظّم على رغم محاولة بعض الأطراف المسيحية ضرب تلك العلاقة، لكنّ التاريخ المفصلي كان بعد انتفاضة البطريرك في تموز 2020 ومطالبته بإعلان حياد لبنان وفكّ أسْر الشرعية ومن ثمّ بمؤتمر دولي خاص بلبنان.

 

والجدير ذكره، أنّ الإشاعات بدأت بالإنطلاق وخصوصاً من أطراف مسيحية في لبنان، ومفادها أن الراعي لم ينسّق خطواته مع الفاتيكان، وأن الكرسي الرسولي ضدّ الحياد والمؤتمر الدولي وهناك غضب فاتيكاني على مواقف سيّد بكركي.

 

تنظر الكنيسة بعين الرضى إلى ما حصل في الفاتيكان، وتؤكّد أنه “ذاب الثلج وبان المرج”، فكلّ الكلام الذي قيل سابقاً عن عدم إقتناع البابا بمواقف الراعي وطروحاته الإنقاذية سقط بفضل الأفعال لا الأقوال، فالراعي عندما خرج بطرح الحياد والمؤتمر الدولي وضرورة العمل على إنقاذ الوضع، كان هدفه مساعدة الشعب وحلّ الأزمة التي تعصف بالوطن، والحملات التي إنطلقت وحاولت زرع الشقاق بين بكركي والفاتيكان كانت مبنية على باطل “وما هو مبني على باطل فهو باطل”، خصوصاً وأن الراعي لا يبحث عن مجد له بل يريد أن يُعيد مجد لبنان وأن ينعم بالإستقرار والإزدهار، ويعود “سويسرا الشرق” ولا يعيش في جهنم التي يعيشها اليوم.

 

وإذا كانت بكركي تهمها مصلحة هذا الوطن، إلا أن يوم الفاتيكان اللبناني ثبّت قيادة البطريرك الراعي لمسيحيي لبنان والشرق، وأكّد تعامل السدة البابوية معه على أنه مرجعية لبنانية وطنية تتخطّى حجم الطائفة والمذهب والدين وتنطق باسم كل الشعب اللبناني، كما أنّ الأساس يبقى خروج طروحات الراعي من الداخل اللبناني ومنحها شرعية فاتيكانية ومن ثمّ عالمية، لأنّ الأمور لن تقف عند هذا الحدّ، بل إن الفاتيكان سيبدأ العمل الدولي الجاد لتسويق طروحات الراعي التي تطالب بالحياد والمؤتمر الدولي لإنقاذ لبنان وإعادته إلى الخريطة العالمية.

 

وتعتبر بكركي أن ما حصل هو انتصار للبنان وليس للبطريرك، فالهمّ الأول والأخير هو طرح القضية اللبنانية في المحافل الدولية وإيجاد حلّ دائم للأزمة بعدما فشل الداخل في استنباط الحلول، ففي النهاية “إذا كان للباطل جولة فللحقّ ألف جولة”.