تُصرّ دوائر البطريركية المارونية على أنّها لم ولن تغطّي أيّ تمديد لمجلس نوّاب يضرب الدستور، فيما اطمَأنّ بطريرك الموارنة إلى أنّ الفاتيكان أوعَز مجدّداً إلى جميع سفرائه في العالم بالعمل لحَلحلة عقدة رئاسة الجمهورية.
تؤكّد مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أنّ «محضر الاجتماع بين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والرئيس سعد الحريري موجود، والراعي لم يعِد الحريري بتأمين غطاء مسيحي للتمديد بعد رفض «التيار الوطني الحرّ» وحزبَي «القوات اللبنانية» والكتائب اللبنانية التمديد، بل إنّه أصرَّ على انتخاب رئيس للجمهورية، فوَعده الحريري بأن يفعل كلّ ما في وسعه لانتخاب رئيس».
وتوضِح المصادر أنّ «الراعي لا يعارض أيّ تمديد تقني، إذا تمّ انتخاب رئيس قبل 20 تشرين الثاني، تاريخ انتهاء ولاية المجلس النيابي الممدّدة، لتتألف بعدها حكومة وحدة وطنية ويقَرّ قانون انتخاب يؤمّن صحّة التمثيل المسيحي، وتُجرى الانتخابات بعد تهيئة الأجواء السياسية والأمنية المناسبة».
وتستغرب بكركي «كيف يستطيع مجلس النواب التمديد لنفسه من دون القيام بأدنى واجباته ولا يلتئم لانتخاب رئيس»، وتسأل: «ألهذه الدرجة وصل مستوى وقاحة بعض النواب، وماذا ينتظرون بعد ليتحرّك ضميرهم؟».
إذا تشبَّث المسيحيون في رفضهم، سيُعتبر التمديد فاقداً للميثاقية، وسط خوف من تكرار سيناريو 1992. وبالتالي تشير أوساط بكركي الى أنّ «الأحزاب المسيحية أوصلت نفسَها الى هذا المأزق، فلو انتخب النواب رئيساً لما كنّا نعاني ما نعانيه، أمّا إذا سار قطار التمديد بلا موافقة المسيحيين، فذلك يعني أنّ كل السياسات المسيحية خاطئة، فهم الذين كبّروا المشكلة وعليهم حلّها وإلّا…».
ما يزيد صعوبة الموقف، هو عودة البطريرك الراعي من روما بعدما تأكّد أنّ الأجواء الديبلوماسية ملبّدة، وكلّ ما تفعله الدوَل هو رمي التهمة على الموارنة.
وفي هذا الإطار، تلفت المصادر الى أنّ «اجتماع الكرادلة برئاسة البابا فرنسيس ناقشَ أوضاع الشرق الأوسط، وقد ركّزت مُداخلة الراعي على الوضع السياسي العام ووضع المسيحيّين، ودور مسيحيّي لبنان في تشكيل صمام أمان لضمان الحضور المسيحي المشرقي، نظراً إلى دورهم النموذجي الاستثنائي»، مشدّدةً على أنّ «الديبلوماسية الفاتيكانية تبذل ما في وسعها، والبابا فرنسيس أوعَز مجدّداً، إلى جميع سفراء الفاتيكان في دول العالم لإجراء مشاورات ديبلوماسية من أجل المساعدة وتسهيل انتخاب رئيس، لكن حتى الساعة لم تصل المساعي الى نتيجة».
وتشدّد المصادر على أهمّية الاجتماع الذي عقده الراعي مع أمين سر دولة الفاتيكان بيتر بارولين وسفراء دول الشرق، «حيث وضع بارولين تقريراً جديداً عن أوضاع المنطقة، وما يشهده لبنان والشرق، ورفعَه الى قداسة البابا للعمل مجدّداً على أساسه».
وتكشف المصادر أنّ «الفاتيكان والغرب يقولون للموارنة «إفعلوا شيئاً»، لأنّ الحلّ بجزئه الأكبر عندكم، ونحن لا ندخل في زواريب السياسة لإرضاء هذا الزعيم الماروني أو ذاك»، معتبرةً أنّ القادة السياسيين «جرّصوا» الموارنة في الخارج الذي يسألهم: «ماذا يحصل معكم؟ ألا ترون كلّ هذه العواصف التي تضرب المنطقة؟ لماذا لا تُحرّكون ساكناً لإنقاذ الرئاسة والموارنة ومسيحيّي الشرق، خصوصاً أنّ الأساطيل والبوارج الغربية لن تتحرّك لنجدتِكم، والضربات على «داعش» لم تكن على المستوى المقبول».
إذا نظرنا من منظار آخر، نرى أنّ الموارنة نجحوا في تجنيد ديبلوماسية الفاتيكان لصالح قضيتهم، علماً أنّ أيّاً من القضايا الكبرى في العالم لم تنَل هذا الاهتمام الفاتيكاني منذ مدّة باعتراف مسؤولين فاتيكانيّين، ما يدلّ على أنّ الموارنة بصِغَر حجمهم ودورهم وعنادهم، «مالئين الدنيا وشاغلين العالم»، لكن هذه المرّة سلباً، إذ هناك تخوّف من أن ينتقل اهتمام الفاتيكان الى ملفّات أخرى في أميركا اللاتينية وإفريقيا، خصوصاً بعد انتهاء عملية هيكلة الكنيسة الشرقية.
أمّا في لبنان، فيبقى دور بكركي هو المُذكّر والمنادي بالرئاسة، بعد فشل المعطى الغربي الأوروبي، في وقتٍ باتت إشكالية الداخل هي التمديد للمجلس النيابي، لكنّ الانتهاء منها أو حسمَها، لا يؤكّد الدخول الجدّي في حلٍّ رئاسي.