Site icon IMLebanon

الفاتيكان طلب والروس حاولوا.. وطهران «لا جدوى»

بعيداً عن الدهاليز اللبنانية الضيّقة وزواياها الرئاسية الحادة حيث ينازع البلد ويكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة اختناقاً تحت ضغط كماشة الشغور بفكّيها المحلي والإقليمي، للاستحقاق الرئاسي أبعاد أعمق ومنطلقات مختلفة فاتيكانياً عما هي لبنانياً لاعتبارات عدة تتعاطى في أبرزها معه بوصفه ملفاً مفصلياً يوازي بمفصليته كبرى القضايا التي تضع الوجود المسيحي في الشرق على المحك لاتصال الموضوع بعملية انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد من سواحل الهند حتى شواطئ المغرب.

في الفاتيكان، القلق يتنامى والمخاوف تتعاظم، والأبواب والاتصالات مفتوحة على مصراعيها في محاولة لفكفكة طلاسم الأزمة اللبنانية المستحكمة مع أصحاب الحل والربط الدوليين بعدما أثبت اللبنانيون عجزهم عن لبننة وترجمة أي من الحلول التي لاحت تباعاً في أفق المبادرات الوطنية الهادفة إلى انتخاب رئيس للجمهورية. فأهمية لبنان بالنسبة للحاضرة الفاتيكانية وإرشادها الرسولي الصادر عنه أنه يجسد «المختبر» للتعايش المسيحي – الإسلامي و«النموذج» الواجب الاقتداء به في دول المنطقة والعالم المختلطة، وعلى قدر هذه الأهمية وانطلاقاً منها تنكبّ دوائر الفاتيكان المختصة بمواكبة أوضاع المسيحيين في لبنان والمنطقة على متابعة ملف الأزمة الرئاسية اللبنانية بشكل شبه يومي سواءً مع الزوار أو مع عواصم القرار سعياً لإيجاد ثغرة مركزية في جدار الشغور تتيح لرئيس الجمهورية أن ينفذ منها.

زوار الفاتيكان في الآونة الأخيرة يخرجون بانطباع ممزوج بالأمل والقلق بعد محادثاتهم مع المعنيين فيه بمتابعة الملف اللبناني.. أمل معقود على الاهتمام البالغ الذي تبديه الدوائر الفاتيكانية إزاء الاستحقاق الرئاسي وعلى أن تفضي مساعيها في المحافل الدولية إلى إنهاء الشغور «في أقرب الآجال»، وقلق يبعثه الخوف المتنامي الذي يعتري هذه الدوائر من تلكؤ اللبنانيين أنفسهم عن المساهمة بحل أزمتهم بل واعتياد بعضهم على فكرة عدم وجود رئيس للجمهورية، وهي فكرة يعرب المسؤولون الفاتيكانيون عن خشيتهم من تأصّلها في النفوس لما لها من تداعيات مشؤومة تضاهي بحد ذاتها شؤم تداعيات الشغور وتتعدى بمخاطرها خطورته على الوجود المسيحي في لبنان والمشرق.

أما في المعطيات المتوافرة والمتواترة عن الجهود الحثيثة التي يبذلها الفاتيكان عبر سفرائه في عواصم القرار لفكفكة الحبائل الإقليمية الملتفة حول رأس الجمهورية اللبنانية، فتكشف تقارير ديبلوماسية موثوقة عن اتصالات فاتيكانية مركّزة في الآونة الأخيرة مع موسكو لعلها تنجح حيث أخفق الغربيون في حث طهران على رفع وزر التعطيل الذي يفرضه حلفاؤها على نصاب انتخاب الرئيس العتيد.

.. لكن وبدل رفع الوزر التعطيلي ألقى التباعد الروسي الإيراني في سوريا بأوزاره على ميزان الاستحقاق الرئاسي اللبناني بعدما أغلقت طهران بوابة الوساطة في وجه موسكو، إذ وبحسب خلاصة هذه التقارير أنّه وبعد مدة من مفاتحة المسؤولين في الفاتيكان كبار المسؤولين الروس بمطلب السعي لدى السلطات الإيرانية لحثها على المساهمة في حلحلة الأزمة الرئاسية اللبنانية جاء الجواب سلبياً ومفاده أنّ القيادة الروسية سعت تكراراً ومراراً مع القيادة في طهران لفتح كوة في جدار الأزمة «لكن من دون جدوى».

باختصار يؤكد العارفون بالحياكة الإيرانية المتقنة لسجادة الشغور الطويلة الممتدة على أدراج قصر بعبدا: أبواب طهران ستبقى موصدة أمام الحل اللبناني وكل جهود العالم فاتيكانياً وغربياً ودولياً وأممياً ستظلّ «من دون جدوى» ما لم يطرأ طارئ ما، في مكان ما، يفرض نفسه على أولويات بازار مقايضاتها الإقليمو-دولية!