IMLebanon

الفاتيكان يجمع كنائس الشرق والغرب في بكـركي غداً

يواصل موفد البابا والديبلوماسي المحنّك دومينيك مومبرتي، رحلته الإستكشافيّة، والغوص في أغوار السياسة اللبنانية ودهاليزها، محاوِلاً تسجيل خرق ما في ملف رئاسة الجمهورية، الذي يبدو عصياً حتى الساعة على الكرسي الرسولي الذي نجح في مصالحة أميركا وكوبا، ولم يوفّق في جمع الزعماء الموارنة.

تعطي الفاتيكان البطريركية المارونية أهميّة إستثنائيّة، فهي المكلّفة قيادة الكنائس الشرقيّة نظراً لما تتمتّع به من قدرات وكوادر بشريّة وإمكانات إقتصاديّة، إضافة الى الدور الذي يضطلع به الموارنة في لبنان والشرق، وإمكانية تحرّكهم نظراً لإمتلاكهم مراكز قياديّة، أبرزها رئاسة الجمهوريّة، قيادة الجيش، وحاكميّة مصرف لبنان.

وفي هذا السياق علمت «الجمهورية» أن مومبرتي سيجمع غداً بطاركة الشرق على مختلف مذاهبهم في بكركي، إستكمالاً لما بدأته البطريركيّة المارونيّة منذ زمن، على رغم أنّ الإحتلال السوري للبنان كان يمنع تحوّل لقاءات البطاركة في عهد البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير إطاراً عملانياً يتخطى التنظيم الديني بين الكنيستين الشرقية والغربية، الى خلية عمل متواصلة تضع رؤية لمستقبل مسيحيّي الشرق.

سقطت الحدود بين الدول وتساقطت الأنظمة الديكتاتورية، فجمعت المصيبة موارنة بشري وإهدن وتنورين وجبل لبنان بكلدان الموصل، وسريان حيّ السريان في الاشرفية بأبناء قوميتهم في سوريا، وجمعت أرثوذكس الكورة بآشوريّي منطقة الخابور.

لم يعد المذهب مهماً، لا فرق بين الكنيسة الشرقية والغربية، بل إنّ اضطهاد المتطرفين لكلِّ مَن يحمل صليباً، وحّد المسيحيين الذين ينادون بالسلام، ويدعون الإسلام المعتدل الى التصدي للتكفير ومحاربته.

وجهت الدعوة الى جميع بطاركة الشرق، ومن المقرَّر أن يلتقوا في بكركي عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً، وقد إعتذر عدد منهم (أبرزهم بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي) عن الحضور لوجودهم خارج البلاد، على أن يوفِدوا ممثّلين عنهم.

سيَطرح اللقاء المسائل الاساسية التي تهم مسيحيّي الشرق، حيث سيُدلي كلّ بطريرك بمداخلة، يشرح فيها وضع رعيته وما تتعرّض له من تهجير واضطهاد في البلدان الموجودة فيها، وسيحتلّ المخطط التهجيري للمسيحيين من الشرق حيزاً كبيراً من النقاشات، فلم يعد خافياً على أحد الخطة الممَنهجة لتهجيرهم.

وستناقش كذلك، الطرق الأفضل للتصدي لهذا المخطط، خصوصاً أنّ الدول المسيحية الكبرى لا تبالي لهذه القضية، بل أكثر ما تقدّمه هو إعطاء المسيحيين تأشيرة هجرة، وبذلك تكون شريكة غير مباشرة في التهجير.

وسيناقش البطاركة ومومبرتي قضية إيواء النازحين المسيحيين المهجَرين، وسبل مساعدتهم مع العلم أنّ القسم الاكبر منهم نزح الى لبنان، البلد الذي يشكل الملاذ الأول لكلّ مضطهد في هذا الشرق. ولن تَغيب عن اللقاء أيضاً الحرب الدائرة في الشرق الأوسط، ومحاولات التكفيريين القضاء على البلدان وهدم التراث المسيحي العريق وتدمير الحضارات، حيث يعتبر البطاركة أنّ استمرار هذه الحرب سيقضي على الحجر والبشر.

أمّا الموضوع الأبرز على طاولة الإجتماع بين مومبرتي والبطاركة، فسيكون معضلة انتخاب رئيس الجمهورية المسيحي، اذ إنّ جميع البطاركة يشدّدون في عظاتهم ولقاءاتهم على هذه القضية الأساس، فمن دون الممثل الأول للمسيحيين في الشرق لا يمكن أن تستقيم الأمور ويشعر المسيحيّون بمظلة أمان سياسية.

وبعد انتهاء الاجتماع المشترَك مع البطاركة، من المتوقع أن يعقد مومبرتي خلوة مع الراعي يطلعه فيها حصيلة جولته على السياسيين اللبنانيين، وسيناقش الرجلان اقتراحات عملية بعد جوجلة الافكار، على أن يحاول الراعي إطلاق جولة جديدة من المشاورات الداخلية، في وقت سيرفع مومبرتي تقريراً عن جولته ولقاءاته، وإجتماعه مع البطريرك الماروني الى حاضرة الفاتيكان التي ستنشّط ديبلوماسيتها مجدداً في اتجاه عواصم القرار.

تشكّل بكركي نقطة جمع وإهتمام ومقصد للوفود والشخصيات العالمية، لكن هذا لا يكفي اذا لم يترجم بإنتخاب رئيس للجمهورية، ليبدأ بعدها الحلّ الفعلي لمشكلات لبنان ومآسي مسيحيّي الشرق. فهل سينجح الفاتيكان في جمع القادة الموارنة ويقنعهم بتخطّي مصالحهم الشخصية حفاظاً على مصلحة الوطن العليا أو أنّ زمن العجائب قد ولّى؟!